إن التوترات الاقتصادية والسياسية القائمة منذ فترة طويلة بين الولايات المتحدة والصين تستمر في الامتداد إلى قطاع التكنولوجيا، حيث جعلت القوتان العظمتان هذه الصناعة الحيوية أكثر من أي وقت مضى مسرحًا لحرب باردة جديدة. يبدو أن حدة التوتر ستزداد سوءًا في الفترة القادمة، مما قد يؤدي إلى ما وصفه البعض بانشقاق العديد من العُقَد المترابطة فيما يتعلق بتصنيع التكنولوجيا وتطويرها. هذا الفصل التكنولوجي، كما تم تسميته، يتقدم ببطء ولكن بثبات، والجيل الخامس أو الـ5G في صميمه. فعلى الرغم من الانتقال إلى إدارة بايدن - وعرض نادر للتوافق والشراكة بين الطرفين - استمرت واشنطن في الضغط على حلفائها لاستبعاد شركة هواوي (Huawei) الصينية من تطوير شبكات الجيل الخامس. سعت بعض الأطراف الثالثة في النزاع إلى إيجاد طريقة للتغلب على هذا الانقسام، في محاولة للتحوط من رهاناتهم بين الجانبين بطريقة تزيد من عوائدهم الجيوسياسية والاقتصادية المحتملة. هذه المعضلة أضحت خطيرة بشكل خاص بالنسبة لدول الخليج، وبينما تسعى هذه الدول إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع كل من واشنطن وبكين، اختار العديد منهم فرض سيادتهم على أراضيهم من خلال بناء شبكة نفاذ راديوي مفتوحة (Open RAN). ربما تكون هذه المبادرة حلاً محتملاً للمعضلة الحالية التي من شأنها أن تمنح الدول سيادة على تكنولوجيا الجيل الخامس في عصر يتخذ فيه تنافس القوى العظمى طابعًا رقميًا. علاوة على ذلك، قد توفر حالة الجيل الخامس في الخليج ملاحظات أساسية للمراقبين الذين يتطلعون إلى فهم كيف يمكن لمسألة السيادة التكنولوجية أن تحدث في خضم الانقسام المتزايد بين الولايات المتحدة والصين – سواء كان ذلك على نحو إيجابي أم سلبي.

عصر "أمريكا أولًا"

مثل العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، واجهت دول الخليج ضغوطًا هائلة للوقوف إلى جانب واشنطن - الضامن الأمني ​​للخليج والحليف القديم - على حساب علاقتها الناشئة والمربحة مع بكين، الشريك التجاري الرئيسي لها. كانت هناك بعض التوقعات بين حلفاء الولايات المتحدة بأن إدارة بايدن ستُغيّر مسارها فيما يتعلق بالعديد من القضايا عن المواقف التي اتخذتها إدارة ترامب - وعلى رأسها الحرب التكنولوجية الباردة بين الولايات المتحدة والصين. غير أن هذا لم يحدث. بدلاً من ذلك، حافظ فريق بايدن على تركيز واشنطن على المنافسة في صراع القوى العظمى مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تم تغيير اسمها الآن لتحمل لقب "المنافسة الاستراتيجية". يمكن القول ببساطة، إن المنافسة مع الصين هي ما يحظى بالإجماع الجديد في حقبة ما بعد الحرب على الإرهاب في واشنطن. فقد أعطى بايدن الأولوية للحوار الأمني ​​الرباعي (Quad)، وأكمل الانسحاب من أفغانستان، وعزز العلاقات مع تايوان، وأضفى الطابع الرسمي على الاتفاق الأمني بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة (AUKUS). تشير كل هذه الإجراءات إلى سياسة خارجية للولايات المتحدة تستمر في إعطاء الأولوية للمفهوم التقليدي لقوة الولايات المتحدة في الخارج، والتي تعترف بقدرة التكنولوجيا على المساعدة في الحفاظ على تلك القوة. هنا الجيل الخامس، الذي سيغير قواعد اللعبة في الجيل التالي من الاتصالات والتكنولوجيا والدفاع وغيرها، هو مثال على ذلك.

الجيل الخامس: عامل جيوسياسي يغير قواعد اللعبة

إذن ما هو الجيل الخامس، ولماذا هو مهم في سياق هذا "الفصل" العظيم؟ على عكس نظائرها الحالية من شبكات الجيل الرابع LTE، فإن شبكات الجيل الخامس أسرع بكثير وتقوم بتوصيل العديد من الأجهزة، من السيارات ذاتية القيادة إلى المدن الذكية، ومن الميتافيرس إلى الروبوتات المتقدمة. لا تقتصر ثورة الجيل الخامس على الأنشطة المدنية، ولكن شبكات الجيل الخامس ستغير قواعد اللعبة في ساحة المعركة أيضًا، وستعمل على تحسين أنظمة وعمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وإحداث ثورة في القيادة والسيطرة. ولقد بدأ النشر التجاري لشبكات الجيل الخامس لأول مرة في عام 2018، لكنه لا يزال في مراحله الأولى.

لماذا الصراع على الجيل الخامس؟

تعد التكنولوجيا إحدى الأدوات الرائدة في الصين لتحقيق النفوذ العالمي، من الجيل الخامس إلى الطائرات المُسيّرة والمدن الذكية إلى الحوسبة السحابية. تهدف بكين إلى وضع نفسها كلاعب رئيسي في الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية العالمية، دون الحاجة إلى الاعتماد على نطاق واسع على التواجد العسكري التقليدي. لذا فليس من المستغرب أن تكون شبكة الجيل الخامس في قلب التوجه الاستراتيجي الجيوتكنولوجي للصين في جميع أنحاء العالم. ما تخشاه واشنطن بشكل أساسي هو أن بكين يمكن أن تستغل امتلاكها لموقع مهيمن في البنية التحتية والمعايير العالمية للجيل الخامس لتمكين هواوي من بناء نظام بيئي تكنولوجي متمركز حول الصين، بهدف أن تصبح الصين القوة المهيمنة في البنية التحتية والبرمجيات والمواهب المرتبطة بالتكنولوجيا، واستخدامها القوة التكنولوجية لتعزيز مصالحها الجيوسياسية والجيواقتصادية. سيؤدي هذا في النهاية إلى تغيير ميزان القوى بين الولايات المتحدة والصين وتقسيم العالم بين معسكرين متنافسين في مجال الجيوتكنولوجي.

ما مدى تقدم الصين الآن؟

حاليًا، تعد هواوي الصينية هي المرشح الأوفر حظًا في السباق لتقديم معدات الجيل الخامس في جميع أنحاء العالم. تمتلك هواوي 1529 براءة اختراع خاصة بالجيل الخامس وهي بذلك صاحبة العدد الأكبر والأكثر أهمية من براءات الاختراع، تليها نوكيا الفنلندية بـ 1397. تمتد هيمنة هواوي على مجال الجيل الخامس إلى أكثر من مجرد براءات الاختراع المهمة لتشمل معايير الجيل الخامس. في المناقشات العالمية حول هذه المعايير، اقترحت هواوي 11423 معيارًا للجيل الخامس، مما يضع الشركة في مرتبة متقدمة جدًا على منافسيها الغربيين مثل كوالكوم (Qualcomm)، التي اقترحت 4493 معيارًا. جزء من السبب الكامن وراء هذا النجاح هو ميزانية هواوي الوفيرة والقوى العاملة الضخمة المخصصة للبحث والتطوير (R&D). بحلول نهاية عام 2020، خصصت هواوي 105 ألف موظف للبحث والتطوير إلى جانب استثمارات تبلغ 15.3٪ من إيراداتها. ومن ثم، ففي سباق الجيل الخامس، جعلت استثمارات هواوي الضخمة في البحث والتطوير والمواهب البشرية وبراءات الاختراع الرئيسية الشركة متقدمة جدًا على الشركات الغربية الرائدة، مثل نوكيا وإريكسون وغيرها، والتي لعبت دورًا أصغر نسبيًا في تطوير ونشر شبكات الجيل الخامس.

نفوذ الجيل الخامس لهواوي في منطقة الخليج

وجهت دول الخليج - وعلى الأخص دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية - موارد هائلة نحو رقمنة بنيتها التحتية الاقتصادية والمادية استعدادًا للواقع الاقتصادي في زمن ما بعد الكربون. استنادًا إلى تحليل التكلفة والعائد لعروض هواوي، فقد برزت كشريك تقني استراتيجي رئيسي للعديد من دول الخليج حيث تعمل على تحقيق أهداف التطوير التكنولوجي الخاصة بها، وبشكل أساسي نشر الجيل الخامس في دولها. تهدف رؤية السعودية 2030، على سبيل المثال، إلى تحويل المملكة إلى المركز الرقمي للمنطقة. في هذا الإطار، أعطت الرياض الأولوية لنشر خدمات الجيل الخامس بسرعة.

بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2019، انضمت شركة زين السعودية إلى شركة هواوي لتقديم المرحلة الأولى من شبكة الجيل الخامس، والتي غطت 20 مدينة في المملكة. استعدادًا لاستضافة معرض إكسبو 2020 (تأخر حتى عام 2021 نتيجة لجائحة كوفيد-19) وتعزيز مكانتها كقوة تكنولوجية في الشرق الأوسط، تهدف الإمارات أيضًا إلى نشر شبكة الجيل الخامس بوتيرة سريعة. أعلنت شركتا دو (du) واتصالات (Etisalat) المشغلتان الرئيسيتان للشبكة في الإمارات، إقامة شراكات مع هواوي لنشر الجيل الخامس، مما يساعد على توسيع استخدام الجيل الخامس باعتباره العمود الفقري لتقنيات اتصالات المستهلك. بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2021، كانت اتصالات قد أكملت بنجاح أول مكالمة مستقلة بواسطة شبكات الجيل الخامس من البداية إلى النهاية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. في عام 2022، ستتحول الأضواء العالمية إلى قطر، الدولة المضيفة لبطولة كأس العالم لكرة القدم، والتي تمثل علامة فارقة كأول مرة يُقام فيها الحدث في الشرق الأوسط. سيستقطب كأس العالم 2022 حوالي 1.7 مليون زائر إلى قطر، وهي نفسها دولة صغيرة يبلغ عدد سكانها 2.7 مليون نسمة. ولكي تصير البطولة أول كأس عالم توظف الجيل الخامس مع خدمات مثل البث المباشر بدقة 8K والواقع المعزز والافتراضي، دخلت شركة فودافون القطرية في شراكة مع هواوي، في حين عقدت شركة الاتصالات الأخرى في قطر، وهي أوريدو (Ooredoo)، شراكة مع إريكسون ونوكيا.

حرب ترامب الباردة حول الجيل الخامس

في ظل إدارة ترامب، صعَّدت واشنطن حملتها المضادة لهواوي بتقديمها لمبادرة الشبكة النظيفة (CNI). على سبيل المثال، منعت المملكة المتحدة الشركات من شراء معدات هواوي جديدة بموجب القانون وأمرت بإزالة معدات هواوي الحالية بحلول عام 2027. أثر الضغط والعقوبات الأمريكية على هواوي على قرار المملكة المتحدة، ولكنه كان أيضًا رد فعل على الإجراءات الصينية القوية بشأن مجموعة متنوعة من الجبهات، أبرزها قانون الأمن الجديد الذي أدخل في هونغ كونغ. ضغطت إدارة ترامب على الحلفاء الأوروبيين للانضمام إلى CNI، بما في ذلك جمهورية التشيك وبولندا والسويد وإستونيا، حيث اتحدوا في موقفهم المؤيد لاستبعاد هواوي من شبكات الجيل الخامس الخاصة بهم. امتدت جهود إدارة ترامب ضد عملاق التكنولوجيا الصيني إلى ما هو أبعد من أوروبا وضغطت على حلفاء آخرين، مثل إسرائيل، ليحذوا حذوها ويستبعدوا هواوي من شبكات الجيل الخامس الخاصة بهم أيضًا. وفي البرازيل، تعهدت واشنطن بمليار دولار لتمويل مشتريات شركات الاتصالات البرازيلية لمعدات الجيل الخامس من منافسي هواوي؛ غير أن وضع هذا التعهد هو الآن محل تساؤل. والإضافة إلى الجيل الخامس، أدرجت إدارة ترامب شركة هواوي في القائمة السوداء وقلصت من قدرتها على الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية، مما أدى في النهاية إلى إعلان التكتل الصيني عن أكبر انخفاض في إيراداته على الإطلاق في النصف الأول من عام 2021.

بايدن: بداية السباق نحو الجيل السادس

منذ توليه منصبه في عام 2021، بدا أن إدارة بايدن تحافظ على نفس الضغط فيما يتعلق بمسألة الجيل الخامس. في أول لقاء له مع رئيس الوزراء الياباني آنذاك يوشيهيد سوجا، على سبيل المثال، التزم الرئيس بايدن بالعمل بشكل مشترك على تطوير تقنيات الجيل الخامس للتنافس مع هيمنة الصين في الجيل الخامس على مستوى العالم. كان هذا مؤشرًا مبكرًا على أن بايدن سيواصل العمل الجاد مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لمواجهة انتشار الصين المتزايد في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، تعهد الزعيمان بالعمل على تطوير تقنية الجيل السادس (الـ 6G)، والتي تمثل التطور التالي للحوسبة وللأجهزة المتصلة بالشبكة. كذلك فقد كان اتفاق المصالح بشأن تكنولوجيا شبكة الجيل الخامس عنصرًا رئيسيًا في جدول أعمال الرباعي. في أول اجتماع مباشر لهم في عهد الرئيس بايدن، التزم قادة المجموعة - الذين يمثلون أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة - بشكل خاص بالتعاون في التقنيات الاستراتيجية الناشئة مثل أشباه الموصلات وشبكات الجيل الخامس.

ثم جاءت شبكة النفاذ الراديوي المفتوحة (Open RAN)

تم صياغة قضية شبكة الجيل الخامس على أنها منافسة صفرية بين كتلة تكنولوجية متحالفة مع واشنطن وأخرى متحالفة مع بكين، مع عدم وجود أرضية بينهما. خلقت هذه المقاربة الصفرية للتكنولوجيات الناشئة الدافع لإنشاء طريق وسطي لشبكات الجيل الخامس، وهو شبكة النفاذ الراديوي المفتوحة (Open RAN)، والذي يمثل حلاً للقوى الوسطى التي تريد السير على خط دقيق بين الولايات المتحدة والصين. ونظرًا لأن واشنطن قد فشلت في تقديم بدائل الجيل الخامس لحلفائها بدلًا من هواوي، فإنها هي أيضًا فائز واضح من ظهور شبكة النفاذ الراديوي المفتوحة.

شبكة النفاذ الراديوي المفتوحة: ما المغزى؟

شبكة النفاذ الراديوي (RAN) - بعبارات بسيطة - عنصر لا يتجزأ من النظام البيئي للاتصالات السلكية واللاسلكية الذي يستخدم أجهزة الإرسال والاستقبال الراديوية لتوصيل الأجهزة الفردية مثل الهواتف وأجهزة الكمبيوتر بالشبكة. في الشكل النموذجي لمقترح شبكة النفاذ الراديوي تكون هذه الشبكة بمثابة نظام بيئي مغلق بشكل أساسي لا يوفر لشركات الاتصالات الاستقلالية الرقمية لتنويع موردي شبكات الجيل الخامس وتجنب الخضوع لهذه الكتلة التقنية أو تلك. أدى ذلك إلى خلق حاجة إلى نظام بيئي أكثر تنوعًا لشبكة النفاذ الراديوي والذي من شأنه أن يسمح لشركات الاتصالات بالانتقاء والاختيار بناءً على احتياجاتها التكنولوجية وتحليل التكلفة والفائدة والحقائق الجيوسياسية. في بيئة شبكة النفاذ الراديوي المفتوحة، سيتم إنشاء شبكة نفاذ راديوي على أساس فتح البروتوكولات والواجهات بين المكونات الرئيسية للشبكة. من خلال فتح المنظومة البيئية للجيل الخامس، توفر شبكة النفاذ الراديوي المفتوحة لمشغلي الاتصالات المزيد من الخيارات، وتجلب المزيد من البائعين إلى سوق الجيل الخامس، كما تحفز الابتكار.

مناورة شبكة النفاذ الراديوي المفتوحة في الخليج

الخليج لديه معضلة مرتبطة بتكنولوجيا الجيل الخامس. فمن ناحية، تعد واشنطن الضامن الأمني ​​الأساسي لها، ومن ناحية أخرى، فإن بكين هي الشريك التجاري الرئيسي والمستورد الأكبر للطاقة. وفي محاولة لتحقيق التوازن، حافظ الخليج على تعاونه مع هواوي كتعبير عن الاستقلال الاستراتيجي عن واشنطن على الرغم من الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد التكتل الصيني والاعتبارات الجيوسياسية ذات الصلة. ولكن في المستقبل، ستستثمر أيضًا السعودية والإمارات في جهد جماعي لاعتماد تقنية شبكة النفاذ الراديوي المفتوحة في شبكاتهما الوطنية. بدعم من خمس شركات اتصالات - زين وموبايلي وشركة الاتصالات السعودية من السعودية واتصالات ودو من الإمارات - تركز مبادرة الخليج لشبكة النفاذ الراديوي المفتوحة على بناء شبكات مرنة للجيل الرابع والجيل الخامس من خلال اعتماد واجهة وبرامج وأجهزة مفتوحة تسمح لشركات الاتصالات بتنويع سلاسل التوريد الخاصة بها، بهدف تقليل تعرضها للتوترات الجيوسياسية الناجمة عن الحرب الباردة المستمرة بين بكين وواشنطن.

لم تُخفِ مبادرات شبكة الاتصالات الخليجية هذه طموحاتها ونواياها الأكبر. فقد صرح هيثم الفراج، النائب الأعلى لقطاع التقنية والمعلومات في شركة الاتصالات السعودية، في بيان صحفي في يوليو/تموز الماضي، "لقد كان إعلان ]شبكة النفاذ الراديوي المفتوحة[ اليوم إيذانًا بدخول حقبة جديدة من التعاون بين المشغّلين في منطقة الشرق الأوسط من أجل تسريع جهود تطوير تقنيات الشبكات المفتوحة، التي تساعد في تنويع نمونا الاستراتيجي بمجال التكنولوجيا". وقال حاتم بامطرف، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في مجموعة اتصالات: "يشكل هذا التحالف فرصة استثنائية لمشغلي الاتصالات في الشرق الأوسط للتكاتف بهدف تطوير تقنية مفتوحة من شأنها أن تساعد على تعزيز مرونة وكفاءة شبكاتنا".

لحظة الصعود التكنولوجي للقوى الوسطى

بالإضافة إلى الرغبة في تحقيق التوازن بين بكين وواشنطن وتجنب الوقوع في وسط هذه الحرب الباردة المتصاعدة، شعرت دول الخليج وغيرها من القوى الوسطى غير الغربية الصاعدة بالرعب من الحملة الأمريكية الناجحة ضد هواوي. إن الحملة ضد عملاق التكنولوجيا الصيني، جنبًا إلى جنب مع الجهود الأمريكية لخنق صناعة أشباه الموصلات في الصين، مثلت - ولا تزال تمثل - ذروة القوة التكنولوجية والجيوسياسية العالمية للولايات المتحدة التي تجعل واشنطن قادرة على تعطيل أو قطع سلسلة التوريد الخاصة بمنافسيها الجيوسياسيين. يمكن النظر إلى الاستثمار الخليجي في شبكات النفاذ الراديوي المفتوحة على أنه محاولة من قبل شركاء الولايات المتحدة الأثرياء غير الغربيين لتأمين دور شبه مستقل على المسرح العالمي. لتحقيق هذا الهدف، يريد الخليج ويحتاج إلى سيادة تقنية استراتيجية تجعله قادرًا على تجنب نقمة واشنطن إذا قررت تلك الدول في المستقبل عدم اتباع القيادة الأمريكية في القضايا الاستراتيجية، لا سيما تلك التي تتعلق بالصين والحرب الباردة التكنولوجية. قد يفتح النجاح المحتمل لشبكة النفاذ الراديوي المفتوحة أيضًا الباب لمزيد من الاستقلال الذاتي الاستراتيجي في مجال التكنولوجيا لمنطقة الخليج على المدى البعيد.

الخاتمة

من المنظور الأمريكي، أثبتت الحملة ضد هواوي نجاحها في منع الصين من الهيمنة على سوق الجيل الخامس؛ غير أنها سلطت الضوء أيضًا على الحاجة إلى نظام بيئي للجيل الخامس أكثر تنوعًا مما يسمح للقوى الوسطى الثرية الصاعدة - الخليج في هذه الحالة - بالحفاظ على سيادتها التكنولوجية بشكل مستقل عن التوترات المتزايدة والديناميكيات المعقدة بين الولايات المتحدة والصين.

يقع الخليج في قلب الحرب الباردة التكنولوجية الجديدة، المحتدمة بين واشنطن، الضامن الرئيسي لأمنها، وبكين، الشريك التجاري الرئيسي والمستورد الأكبر للطاقة. ومن غير المرجح أن تتغير هذه الديناميكية في أي وقت قريب، ومن المرجح أن تزداد التوترات سوءًا في المستقبل. لحل هذه المعضلة الاستراتيجية، يتجه الخليج نحو نهج أكثر تكلفة يركز أولًا على مبدأ السيادة على تقنيات شبكات الجيل الخامس. ويمكن أن يكون بناء مبادرة شبكة النفاذ الراديوي المفتوحة حلاً لمُعضلة الخليج الحالية، وفي النهاية يمنحها سيادة على الجيل الخامس في عصر تنافُس القوى العظمى. يبقى أن نرى ما الذي سيعنيه هذا بالنسبة للسياسة الخارجية في عالم حيث العلاقات غير المختبرة والتحالفات التقنية الجديدة هي القوة الحاكمة - ويجب على المراقبين أن ينظروا عن كثب ليروا كيف يمكن أن لتكنولوجيا الجيل الخامس أن تكون بداية الطريق لما هو قادم.

محمد سليمان باحث غير مقيم في برنامجي Cyber ومصر بمعهد الشرق الأوسط وزميل أول في McLarty Associates. يركز عمله على تقاطع التكنولوجيا والجغرافيا السياسية والأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. الآراء الواردة في هذه المساهمة تعكس وجهة نظر الكاتب.


The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.