تمكنت قوات سوريا الديمقراطية في الثامن من أيلول/سبتمبر، من الدخول إلى قرى وبلدات ريف ديرالزور الشرقي الممتد من بلدة الطيانة حتى الباغوز، بذلك أعادة السيطرة على جميع المناطق التي شهدت حالة تمرد ضد قواتها، التي بدأت في السابع والعشرين من شهر آب/ أغسطس الماضي.

دخول قوات "قسد" إلى تلك المناطق، جاء بعد عمليات تفاوض بينها وبين وجهاء العشائر، تلك المفاوضات انطلقت بعد أن سيطرة "قسد" على بلدة ذيبان معقل شيخ قبيلة العقيدات إبراهيم الهفل في السابع من أيلول/سبتمبر.

 شرارة الأحداث

خلال الأشهر الأخيرة كان أحمد الخبيل حذر جداً بخصوص الذهاب لمحافظة الحسكة، خاصة بعد تمرده الأخير وحالة الصدام العسكري التي شهدتها ديرالزور، بين مجلس ديرالزور العسكري وقوات "قسد"، حيث حاول البقاء في المحافظة وسط قواته وبعده العشائري الذي يأمن الحماية له.

في نهاية شهر أغسطس الحالي وجهت دعوة للخبيل، من أجل الاجتماع لحل القضايا العالقة بين مجلس ديرالزور العسكري وقوات "قسد" في محافظة الحسكة، بداية الأمر لم يتجاوب الخبيل مع الدعوة خوفاً من كونها تدبير لعملية من أجل اعتقاله، لكنه بعد التواصل مع القوات الأمريكية في قاعدة العمر وافق على الدعوة، بعد حصوله على ضمانات وتطمينات من الأمريكان بعدم اعتقاله.

في ٢٧ أغسطس توجه الخبيل مع قادة من مجلس ديرالزور العسكري ومرافقته إلى محافظة الحسكة، بعد وصولهم إلى محافظة الحسكة، تم فصل أبو خولة عن بقية قادة المجلس والمرافقة العسكرية له بحجة الاجتماع، حيث نقل أبو خولة إلى مبنى "الايف ستون" أو ما يعرف بقاعدة استراحة الوزير، الواقعة في منطقة حمة الحسكة قرب منطقة السد الغربي، وهناك تم اعتقاله وفرض الإقامة الجبرية عليه داخل القاعدة.

في التزامن مع اعتقال أبو خولة، قامت قوات "قسد" العسكرية، بمحاصرة بقية وفد مجلس ديرالزور العسكري و الحامية العسكرية المرافقة لهم في حي النشوة بالحسكة، وكان بين الوفد جلال الخبيل شقيق أبو خولة، وكلاً من أبو جبر الشعيطي و أبو الحارث الشعيطي القياديين في المجلس العسكري عن ساحة هجين، حيث تمكنت قوات "قسد" من اعتقالهم بعد ساعات من حصارهم داخل الحي، لكن جلال الخبيل شقيق أحمد الخبيل، تمكن من إرسال نداء استغاثة طالب فيه العشائر العربية في ديرالزور ومجلس ديرالزور العسكري، بطرد "قسد" من المنطقة و الثورة عليها حتى إطلاق سراح قادة مجلس ديرالزور العسكري.

عملية "قسد" كانت محكمة ولم تستهدف فقط قائد مجلس ديرالزور العسكري والوفد المرافق له، فخلال عملية "الايف ستون"، قامت قيادات "قسد" المتواجدة في قاعدة العمر العسكرية، بدعوة خليل الوحش نائب قائد مجلس ديرالزور العسكري إلى القاعدة، هناك تم اعتقاله ووضعه تحت الإقامة الجبرية داخل القاعدة، بالتالي بات معظم قادة الصف الأول والثاني لمجلس ديرالزور العسكري تحت الاعتقال والإقامة الجبرية.

"قسد" حاولت كسب الأفضلية العسكرية في ديرالزور على حساب التمرد المحتمل على خلفية اعتقال قادة مجلس ديرالزور، من خلال إطلاق عملية "تعزيز الأمن" في مناطق ديرالزور وقالت في بيان رسمي لها "أن العملية تستهدف خلايا تنظيم "داعش"، وتعقب المجرمين وانفاذ القانون وملاحقة المهربين"، بذلك كانت قواتها العسكرية داخل المنطقة ما أعطاها قوة وانتشار على الأرض قبل بدء وتفاقم حالة التمرد المحتملة.

المواجهة العسكرية والتحول

مع وصول خبر اعتقال أحمد الخبيل وقادة المجلس العسكري إلى ديرالزور، بدأت التحركات العسكرية لمقاتلين من المجلس وآخرين عشائريين تضرب نقاط سيطرة قوات "قسد" وحواجزها في المنطقة وتركزت أغلب الاشتباكات في مناطق ريف ديرالزور الشمالي، إضافة لهجمات متفرقة في ريف ديرالزور الشرقي والغربي.

في اليوم الأول ٢٧ أغسطس، تمكن مقاتلي مجلس ديرالزور العسكري ومقاتلتين عشائريين من السيطرة على ريف ديرالزور الشمالي الممتد من مدينة البصيرة وحتى بلدة الصور، بعد أخلاء قوات "قسد" لمواقعها العسكرية الصغيرة هناك، كانت السيطرة طبيعية لكون المنطقة المعقل الرئيسي للخبيل والمجلس العسكري وقبيلته البكير.

كما شهد اليوم الأول سيطرة مقاتلين عشائريين وآخرين يتبعون للمجلس العسكري على قرى الجيعة والمعيشية وبلدة في ريف ديرالزور الغربي بعد طرد قوات "قسد" منها، فيما بدأت قوات عسكرية لقسد قادمة من الرقة دخول ريف ديرالزور الغربي ومحاصرة مقرات المجلس العسكري في الكبر والكسرة وحوايج بومصعة، وبلغت حصيلة القتلى من الطرفين خلال اليوم الأول قرابة ١٠ قتلى و٢٠ جريح من قوات المجلس والقوى العشائرية، بينما قتل ١٠ عناصر من "قسد" وجرح آخرين في حصيلة غير نهائية.

في اليوم الثاني ٢٨ أغسطس، بدأت تعزيزات قوات "قسد" بالوصول إلى ديرالزور قادمة من الرقة والحسكة، حيث تمكنت تلك القوات من السيطرة على ريف ديرالزور الغربي كاملا وبدأت بالتحرك منه إلى ريف ديرالزور الشمالي، بينما التعزيزات القادمة من الحسكة دخلت محور القتال في مناطق الصور ومحيط البصيرة شمال ديرالزور، كما شهد أيضا سيطرة قوات "قسد" على أجزاء من قرية الربيضة مسقط رأس أبو خولة واستولت على منزله ونشرت حواجز داخل البلدة، فيما استمر الاشتباكات في مناطق العزبة ومعيزيلة والصور والربيضة والصبحة.

أما ريف ديرالزور الشرقي، شهد في اليوم الثاني هجمات على حاجز الصنور في مناطق عشيرة الشعيطات من قبل عناصر من المجلس العسكري، كما سلم عدد من عناصر " قسد" أنفسهم للمجلس في المنطقة بعد الهجوم وتعتبر مناطق الريف الشرقي أقل المناطق المنخرطة في حالة التمرد خلال اليوم الثاني.

في اليوم الثالث ٢٩ أغسطس، استمرت الاشتباكات في ريف ديرالزور الشمالي ولم تتمكن "قسد" من إحراز أي تقدم يذكر، فيما خرجت عشيرة البكير التي ينحدر منها أبو خولة ببيان باسم العشيرة وقبيلة العقيدات، تعطي فيه الإدارة الذاتية مدة ١٢ ساعة لأطلاق سراح قادة المجلس وعودتهم إلى المنطقة، كما ناشدت التحالف الدولي للتدخل لحل القضية وأكدت في بيانها أنه في حال عدم تلبية المطالب سوف تعلن النفير العام لمحاربة "قسد".

أيضا في مدينة الشحيل التي تقطنها قبيلة البوجامل، خرج بيان عشائري تلاه عدد من مقاتلي القبيلة، أكدوا وقفهم إلى جانب المجلس العسكري وأبناء قبيلة البكير وأعطى البيان مدة ٢٤ ساعة لأطلاق سراح المعتقلين وإذا لم يتم الأمر، سوف ينخرط المقاتلين في العمليات العسكرية ضد "قسد" واستهدف أي آلية عسكرية تحاول العبور من خلال البلدة، التي تربط الريف الشرقي لديرالزور بريفيها الشمالي والغربي.

من جانب آخر عقدت قبيلة البقارة اجتماع عشائري حضره حاجم البشير شيخ القبيلة وعدد من نشطاء ووجهاء القبيلة للتباحث بالأحداث القائمة، خرج الاجتماع بتوصيات لتهدئة والتواصل مع التحالف الدولي وقوات "قسد" لمحاولة حل الأزمة، الأمر الذي رفضه قسم من أبناء القبيلة خاصة المنتمين للمجلس العسكري، الذين طالبوا بموقف حازم والانخراط في العمليات العسكرية ضد "قسد".

اليوم الرابع ٣٠ أغسطس، توسعت الاشتباكات بين الطرفين ووصلت إلى مناطق جديدة، خاصة في قرى البحرة والطيانة وذيبان واستمرت في مناطق ريف ديرالزور الشمالي حيث تحاول "قسد" دخول مناطق الحريجي والعزبة والربيضة وقرى خط الخابور، كما ارتفعت نسبة عدد القتلى إلى الضعف من كلى الطرفين بينهم مدنيين قتلوا نتيجة الاشتباكات والقصف المتبادل.

في اليوم الخامس ٣١ أغسطس تغير مجرى الأحداث كلياً، بعد صدور بيان مساء يوم الأربعاء ٣٠ أغسطس من مصعب الهفل شيخ العقيدات، يعلن فيه توحيد جهود القبيلة ووقوفها ضد "قسد"، مطالباً التحالف الدولي بالتدخل وتحقيق مطالب القبائل العربية، كما تلاه صباح يوم الخميس ٣١ أغسطس، بيان من حاجم البشير شيخ قبيلة البقارة أعلن فيه الدعم الكامل لمطالب قبيلة العقيدات ووقوفهم معهم، حيث باتت القبائل العربية مجتمعة على قرار مشترك في كافة مناطق ديرالزور.

عسكرياً تمكن مقاتلي العشائر والمجلس من السيطرة على معظم قرى الريف الشرقي ومناطق واسعة من الريف الشمالي، باستثناء نقاط جبل البصيرة وبعض الحواجز الكبرى التي تتواجد بها قوات "قسد" ووصل عدد الضحايا بين الطرفين إلى أكثر من ٧٥ شخص بينهم مدنيين.

كما ظهرت بعض فيديوهات وصور قال نشطاء المنطقة أنها لأشخاص تم اعدامهم على يد قوات "قسد" وحرقت جثثهم بينهم أطفال في قرى العزبة التي سيطرت عليها تلك القوات بعد ٤ أيام من المعارك.

١ أيلول/ سبتمبر تمكنت "قسد" بعد استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة من السيطرة على بلدة الصبحة، ثم بدأت بمعركة السيطرة على مدينة البصيرة كبرى مناطق ريف ديرالزور، في الثالث من أيلول تمكنت من دخولها والسيطرة عليها بشكل كامل.

في اليوم العاشر ٥ أيلول، تمكنت "قسد" من السيطرة على بلدة الشحيل، وفي ٦ أيلول سيطرت على بلدة الحوايج الملاصقة لبلدة ذيبان.

في ٦ أيلول اليوم ١٢ من المواجهات، عملت "قسد" بعد سيطرتها على قرية الحوايج، على حصار بلدة ذيبان، حيث نقلت العمليات إلى المنطقة الشرقية منها لعزلها عن بقية مناطق سيطرة مقاتلي العشائر، وهذا ما حدث بعد دخول قواتها الأطراف الغربية لبلدة الطيانة، حيث باتت ذيبان محاصرة، المعارك التي شهدتها بلدة ذيبان تعتبر أعنف المعارك خلال حالة التمرد الأخيرة، حيث تمكن مقاتلي العشائر من تدمير عدد من الآليات العسكرية لقسد وقتل عدد من قواتها قبل دخول البلدة.

في السابع من أيلول تمكنت "قسد" من السيطرة على ذيبان، لتنتهي بذلك المواجهات العسكرية وتدخل "قسد" بقية المناطق بعد مفاوضات مع الوجهاء، فيما اختفى إبراهيم الهفل شيخ قبيلة العقيدات وتتضارب الأنباء حول اختفائه، منها ما يقول إنه دخل مناطق غرب الفرات التي يسيطر عليها النظام السوري ومنها ما يقول إنه لايزال متخفياً في مناطق شرق الفرات، وهذا ما ذكره الهفل في تسجيل صوتي انتشر له بعد سقوط بلدة ذيبان، مؤكدا وجوده في شرق الفرات ومشدداً على استمرار المعارك.
 

Photo by DELIL SOULEIMAN/AFP via Getty Images
Photo by DELIL SOULEIMAN/AFP via Getty Images

 

الموقف العشائري

مع استمرار الأحداث وتسارعها بات الموقف العشائري متغيراً، ففي الأيام الأولى للحادثة كان الموقف أكثر وضوح لدى عشيرة البكير التي دخلت المواجهة المباشرة مع "قسد"، لصالح مجلس ديرالزور العسكري، بينما كان موقف قبيلة البقارة وعشيرتي البوجامل والشعيطات والقرعان مبهم وغير واضح ولم تتدخل في حالة التمرد بالشكل الكافي كما حدث مع عشيرة البكير.

دخول عشيرة البكير في الصراع بشكل مباشر يأتي لأسباب كثيرة، تجعل منها رأس الحربة في حالة التمرد، من هذه الأسباب، أن أحمد الخبيل أبو خولة ينحدر من هذه العشيرة ويعتبر أميراً عليها، بعد تنصيبه قبل أكثر من عام أميراً على عشيرة البكير من قبل وجهاء العشيرة في ديرالزور.

ثاني الأسباب أن ثقل مجلس ديرالزور العسكري وأهم قياداته وأكثر مناطق تمركزه تتواجد في المناطق التي تقطنها العشيرة، إضافة للميزات التي تحظى بها العشيرة اقتصاديا وسياسياً كون أبنائها يتربعون على هرم سلطة المجلس العسكري.

الموقف العشائري دخل مرحلة مهمة في يوم الأربعاء ٢٩ أغسطس، حيث كثفت العشائر من اجتماعاتها لمناقشة الأحداث، وهو اليوم الذي شهد خروج بيان من أبناء بلدة الشحيل التي تقطنها عشيرة البوجامل، يعلن الدخول في حالة الصراع إلى جانب مجلس ديرالزور العسكري وعشيرة البكير، كما تجددت الدعوات أيضا من قبل نشطاء وعسكريين من أبناء عشيرة الشعيطات وقبيلة البقارة لإعلان موقف مؤيد لمجلس ديرالزور العسكري وعشيرة البكير.

بداية شهر أيلول/سبتمبر بات الموقف القبائلي واضحاً، حيث دخلت معظم عشائر قبيلة العقيدات في حالة الصراع على مستوى المشاركة العسكرية عبر المقاتلين أو من باب تضامن سياسي، بينما اكتفت قبيلة البقارة بموقف داعم لمطالب قبيلة العقيدات لكنها لم تنخرط بالعمليات العسكرية، بل حاولت عبر شيخها حاجم البشير لعب دور الوسيط بين العقيدات و "قسد"، للوصول إلى تفاهمات وإنهاء الصراع بينهم.

أن الباعث لدخول العشائر في حالة التمرد ليس دعم أحمد الخبيل، فكثير من تلك العشائر والقبائل تختلف معه، نتيجة فساده والجرائم التي ارتكبها بحق مدنيين من تلك القبائل، لكن انخراطها في التمرد يأتي لقناعتها، أن هدف الإدارة الذاتية هو القضاء على مجلس ديرالزور العسكري، الذي شكل لسنوات طوق حماية للمنطقة وعشائرها من هيمنة القوى الكردية التي تدير "قسد" على المنطقة.

المجتمع القبلي العشائري في ديرالزور رأى لسنوات، أن وجود استقلالية نسبية في المحافظة أمر جيد له على عكس محافظتي الحسكة والرقة، وأن ما تقوم "قسد" به الآن هو خطوة للقضاء على هذه الاستقلالية النسبية في المنطقة، ومحاولة اخضاع المنطقة وتهجينها كما في بقية مناطق سيطرتها شمال شرق سورية، ومحاولة حل مجلس ديرالزور العسكري وتجريد قادته من صلاحياتهم هو ثاني أحد خطوات هذا المشروع.

 الخبيل متهم بالخيانة

قوات "قسد" في بيانها الذي أعلنت فيه بدء عملية " تعزيز الأمن" أكدت أنها تريد محاربة خلايا تنظيم "داعش" في ديرالزور إلى جانب إنقاذ القانون ومحاربة الفساد، لكنها لم تتطرق إلى أي شيء يخص محاولتها تجميد مجلس ديرالزور العسكري وإنهاء مهامه، أو حتى ضلوع قادته وعلى رأسهم أحمد الخبيل بهذه القضايا.

الخبيل خلال تزعمه لمجلس ديرالزور العسكري منذ تأسيسه وحتى اعتقاله مؤخراً، مارس سلطات مطلقة في المنطقة، وهو متهم بقضايا اختلاس مالي وحالات قتل وتعذيب لمدنيين، إضافة لتنظيم عمليات التهريب بين مناطق شرق الفرات ومناطق النظام، عمليات تهريب تشمل القمح والنفط وأيضا المخدرات.

أن اعتقال الخبيل من قبل "قسد" ليس بناء على هذه التهم التي مارسها لسنوات طويلة، فمصادر من داخل مجلس ديرالزور العسكري وقاعدة العمر، أكدت "أن الاعتقال جاء بتوجيهات من التحالف الدولي إلى قوات "قسد"، بسبب وجود اثباتات على وجود قنوات تواصل بين الخبيل والمليشيات الإيرانية المتواجدة غرب الفرات، إضافة لشتراك الخبيل المباشر في تهريب المخدرات بين مناطق سيطرة المجلس ومناطق النظام السوري".

وبحسب المصدر فإن "الخبيل وبعض قادة المجلس وبناء على تواصلهم وتنسيقهم مع المليشيات الإيرانية، ساهموا بدخول مجموعات من المقاتلين وتنقل خلايا تعمل مع إيران وتتواجد في مناطق "قسد" بين مناطق الطرفين بتسهيلات من المجلس، وكان هدف هذه المجموعات التحضير لعمليات تستهدف القوات الأمريكية في قاعدة العمر وقاعدة معمل غاز كونيكو في ريف ديرالزور الشرقي".

المصدر دلل على شهادته بقوله، "أن التعزيزات التي وصلت ديرالزور خلال الأشهر الماضية قبيل عيد الأضحى، وتحدث عنها الإعلام على أنها تحضير لهجمات تستهدف مواقع المليشيات الإيرانية شرق الفرات، كانت فقط قوات جديدة تم نقلها لتنتشر على طول نهر الفرات، بسبب اكتشاف تنقل مقاتلين يتبعون للمليشيات الإيرانية بين مناطق النظام ومناطق شرق الفرات، بتسهيل من الخبيل وبعض قادة المجلس، وكان مخطط تلك المليشيات يقضي باستهداف القواعد الأمريكية في ديرالزور ليلة عيد الأضحى، لكن اكتشاف المخطط وانتشار قوات عسكرية جديدة على المعابر النهرية مع النظام واغلاقها حال دون تنفيذها للعميلة.

أن وجود تنسيق بين الخبيل وبعض الدوائر المقربة منه مع المليشيات الإيرانية أمر تتكتم عليه قوات "قسد" والتحالف الدولي، خاصة أنهم هم من دعموا هذه الشخصية وتمسكوا بها خلال السنوات الماضية رغم وجود قادة أهم وأكثر كفاءة في صفوف مجلس ديرالزور العسكري، الذي كان طوال تلك الفترة صمام أمان المنطقة والحامي لها في وجه مطامع النظام والمليشيات الإيرانية و "داعش".

محاولة الشيطنة والهدف

يحاول الإعلام الرسمي التابع لقوات سوريا الديمقراطية وأنصارها، تصوير الأمر في ديرالزور على أنه صراع بين تلك القوات ومجموعات عسكرية تابعة لتنظيم "داعش" وأخرى تتبع للمليشيات الإيرانية، وأن المشترك من المدنيين في حالة الصراع تم التغرير به من أطراف خارجية بغية زعزعة استقرار المنطقة، في إصرار منها على عدم اعترافها بالخطأ الذي ارتكبته وأدى إلى حمام الدم المفتوح في المنطقة.

 أن هدف الإدارة الذاتية وجناحها العسكري قوات " قسد"، لا يقتصر على اعتقال قادة مجلس ديرالزور العسكري وإعادة الهيكلية العسكرية في المنطقة، إنما للإدارة الذاتية اهداف أبعد من هذا وهذا ما يفسر إصراراها على العملية العسكرية رغم اعتقال قادة المجلس.

فالهدف الأول لقسد الآن هو حل المجلس ومصادرة جميع اسلحته، وهذا ما أكده أبو ليث خشام الذي تم تعينه قائد مؤقت للمجلس، بأن القيادة العسكرية في "قسد"، تريد من جميع الأفواج العسكرية تسليم سلاحها وحل المجلس من أجل إيقاف العملية العسكرية، ثم التفاوض على المعتقلين من قادته.

مسعى الإدارة الذاتية في حل مجلس ديرالزور العسكري يأتي في إطار مخطط جديد تعمل عليه لجعل القوى العسكرية في شمال شرق سورية قوى مركزية، تتبع جميع تلك القوى لها بدون أي استقلالية ومجلس ديرالزور كأن أحد الأطراف التي تعيق المشروع، كونه مستقل مالياً ويتلقى دعمه المادي مباشر من قوات التحالف الدولي المتواجدة في حقل العمر النفطي ولديه استقلالية عسكرية وادارية نوعاً ما.

الخطوة الثانية لمخطط الإدارة الذاتية بعد حل المجلس العسكري، هو حل الإدارة المدنية هناك، وإعلان شمال شرق سوريا إقليم واحدا، وتقسيم هذا الإقليم إلى ثمانية مناطق إدارة محلية، لا تكون مقسمة على أساس جغرافيا المحافظات الثلاثة وإنما مناطق إدارة محلية متداخلة، بحيث يكون داخل منطقة إدارة محلية تضم مناطق من الرقة وديرالزور على سبيل المثال.

إيران و "داعش" مستفيدين

أن حالة الصراع في مناطق شرق الفرات وخاصة ديرالزور، تمثل فرصة ثمينة لكلاً من المليشيات الإيرانية وتنظيم "داعش"، لتعزيز وجود خلاياها في المنطقة ورفع مستوى اختراقها للمنطقة وتنفيذ عمليات إجرامية، مستفيدة من حالة الفوضى وتشتت قوى "قسد" وأبناء المنطقة في الصراع الدائر بينهم.

المعلومات الأولية تشير أن إيران استغلت حالة الفوضى خلال الأيام الماضية، عبر تسلل عدد من مقاتلي ميلشياتها إلى مناطق شرق الفرات، في محاولة لتأمين نقاط تواجد قرب قاعدتي حقل العمر وقاعدة معمل غاز كونيكو، تحضيراً لاستهداف تلك القواعد بهجمات صاروخية وتصوير الأمر بأنه قوى عشائرية منخرطة في الصراع ضد "قسد" هي من قامت بتلك العمليات.

كما فتح النظام وإيران الباب أمام أبناء القبائل في مناطق سيطرتهم خاصة التي تنحدر من قبيلتي العقيدات والبقارة، للعبور والمشاركة في العمليات العسكرية إلى جانب قوات العشائر، كما تفيد بعض المعلومات أن النظام وإيران تسهل عمليات دخول الأسلحة والذخائر عبر تجار محليين إلى مناطق شرق الفرات، لإدخال المنطقة في حالة صراع لا منتهي، تهدف من خلاله على إطالة أمد الأزمة على أمل انسحاب القوات الأمريكية منها لكونها منطقة خطرة وغير مستقرة، ما يفتح لها الباب للدخول والسيطرة عليها.

تنظيم "داعش" أيضا استفادة من حالة الصراع الحالي، حيث تم تخفيف الضغط على خلاياه في المنطقة، التي كانت ملاحقة بشكل مستمر من "قسد" ومجلس ديرالزور العسكري، أما الآن الطرفين في حالة صراع ما منح التنظيم فرصة لالتقاط أنفاسه وترتيب صفوفه.

أن عدم حل الخلاف وإصرار الإدارة الذاتية فرض خياراتها على المجتمع المحلي وفرض إراداتها بالقوى، سيكون لها أثر على نشاط مليشيات إيران وتنظيم "داعش" في المنطقة، عبر استقطاب أنصار جدد من متضرري تلك العمليات أو الملاحقين أمنيا، نتيجة اشتراكهم في التمرد إذا ما استطاعت "قسد" حسم المعركة عسكرياً.

ما بعد الصراع

أن انفجار الصراع في مناطق ديرالزور يؤكد على حالة عدم الرضى المحلي على سياسات "قسد" في المنطقة، لذلك تجاوز هذه الأزمة لا بد أن يكون ضرورة المرحلة القادمة عبر عدة خطوات يتخذها كلا الطرفين من أجل ضمان عدم تكرارها، لأن عدم استقرار المنطقة لا يصب في صالح المجتمع المحلي أو سلطات "قسد".

أول هذه الخطوات، أنهاء ملف الأزمة الحالية وارتداداته الأمنية والعسكرية، عبر إيجاد صيغة تضمن عدم ملاحقة المشتركين في العمليات العسكرية من الطرف العشائري وإطلاق سراح المعتقلين، وهذا يبدو أنه أمر متاح خاصة بعد تصريحات مظلوم عبدي، التي أكد فيها أنهم مستعدين للتفاوض مع إبراهيم الهفل والعفو عن جميع المشتركين في حالة التمرد.

الخطوة الثانية، تشكيل لجنة مشتركة بين الطرفين، تعمل هذه اللجنة على إحصاء الخسائر البشرية والمادية نتيجة الأحداث الأخيرة، ثم تقوم تلك اللجنة بتقدير التعويضات المناسبة لتقديمها للمتضررين، بعدها يتم العمل من هذه اللجنة على تحقيق السلم الأهلي والمجتمعي بما يتعلق بالأحداث الأخيرة من أجل ضمان تجاوزها.

الخطوة الثالثة، إيجاد صيغة تفاهم مرضية لأبناء المنطقة، فيما يخص إدارة مناطقهم مدنياً وعسكرياً ضمن الإطار العام لقوات "قسد"، واستمرار منحهم خصوصية واستقلالية داخل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

الخطوة الثالثة، زيادة المخصصات المالية من الإدارة الذاتية لمجلس ديرالزور المدني، من أجل زيادة عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، إضافة للعمل على توفير فرص عمل إضافية لأبناء المنطقة التي تعاني من ظروف اقتصادية سيئة.

أن تحقيق هذه الخطوات كفيل بإنهاء تبعات الأزمة الحالية أو تقليص ارتداداتها إلى الحد الأدنى، أما تجاهلها وعدم العمل بها سوف يدخل المنطقة في مرحلة جديدة من الصراع، صراع لن ينحصر بين المجتمع المحلي وأبنائه من طرف و "قسد" من طرف آخر، بل سيكون الصراع مفتوح لأطراف أخرى سوف تعيد محاولة استغلاله والاستثمار به سياسياً وعسكرياً.

 

Photo by Bekir Kasim/Anadolu Agency via Getty Images


The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.