معهد الشرق الأوسط يشكر غسان عتيقة على قيامه بترجمة المقال من الإنجليزية إلى العربية.

 

ملخص


على مدى السنوات الست الماضية، قام المجتمع الدولي بتجربة مجموعة من النُهج المختلفة للوساطة في الحرب الأهلية الليبية. وقد فشلت جميعها. حيث أن معظم الدول التى لا تؤجج الحرب بفاعلية عن طريق تدفقات الأسلحة والمال والتدريب والمرتزقة ترى الآن أن وقف هذه التدفقات المدمرة أمر في غاية الأهمية من أجل جلب فصائل الميليشيات المتنافسة إلى طاولة المفاوضات. إن مؤتمر برلين -الذي تم عقده في يناير 2020- سعى إلى إنشاء آلية دولية لتطبيق حظر الأسلحة الموجود مسبقًا الذي تفرضه الأمم المتحدة. وفي الواقع، فقد ازدادت تدفقات الأسلحة والمرتزقة إلى كلا طرفي الحرب الأهلية الليبية في أعقاب المؤتمر. وفقط هزيمة الجيش الوطني الليبي في أبريل 2020 على أبواب طرابلس الجنوبية أدت إلى توقف مؤقت في جولات القتال وما تعقبها من محادثات السلام ذات الوساطة الدولية. 

ومع ذلك، حتى وإن برز ما يشابه صفقة سياسية ومن ثم قطع مصادر الدعم العسكري الخارجية عن الميليشيات تدريجياً، فإن القضايا الاقتصادية الأساسية التي أدت إلى ست سنوات من الصراع المدني الليبي سوف تظل قائمة. فقط نهج جديد يمكّن الإصلاحيين الاقتصاديين الليبيين بينما يعيد صياغة دور النظام الاقتصادي الليبي كمحرك دائم للصراع وللمنافسة على الوصول التفضيلي يمكنه إصلاح الخلل. ومن أجل تحقيق ذلك، يتعين على الجهات الدولية الفاعلة تيسير ودعم إنشاء لجنة مالية دولية بقيادة ليبية بناءً على طلب ليبي ومنحها السلطات الضرورية لإعادة هيكلة الاقتصاد بالكامل. يجب على هذه اللجنة أولاً أن تكون شفافة للشعب الليبي حيث يتم إنفاق أموالهم وحيث يتم نقل منتجاتهم المدعومة وحيث يتم الاحتفاظ بالمليارات. وثانياً، يجب عليها إعادة كتابة قواعد الاقتصاد الليبي بأسلوب شفاف مع الأخذ بعين الاعتبار مشورة الخبراء الصادقة وإرادة الشعب الليبي. ولحسن الحظ، فإن عمليات الوساطة السياسية وحركة دوران الموظفين رفيعي المستوى ومراجعة ديلويت للبنك المركزي بتفويض من الأمم المتحدة –جميعها الآن قيد التنفيذ– توفر فرصة مثالية لصياغة انتقال أنيق لتلك المرحلة التالية من الوساطة في النزاع حيث تأخذ اللجنة المالية الدولية زمام تبني نهج أكثر إيجابية لصنع السلام في ليبيا.

 

يرجى الانتباه إلى أن الاقتباسات مدرجة في النسخة الإنجليزية من 

المقال.

 English version

وتظل الشفافية الاقتصادية والإصلاح الهيكلي آخر أمل لليبيا


 تميل الحروب الأهلية في القرن الحادي والعشرين إلى أن تكون طويلة الأمد ومتعددة الأطراف مقارنة بحروب القرن العشرين وذلك لمجموعة من الأسباب، إحداها أن النظام الدولي للقرن الحادي والعشرين أكثر انقسامًا وبالتالي يعزز حالات التدخل بالوكالة بينما تعيق باستمرار جهود الوساطة.  

سبب آخر هو تناقص أهمية السيطرة على الأراضي نتيجة الحروب الأهلية.  إن العولمة والإنترنت وانسحاب القوة الأمريكية المهيمنة تقلل جميعها من الأهمية النسبية للسيطرة على أجزاء استراتيجية من الأراضي.  

بالطبع، لا تزال المطارات والطرق والمنشآت النفطية والثكنات العسكرية والتجمعات العرقية تحتفظ بأهميتها العسكرية، ولكن على مدى العقود الماضية اكتسبت المؤسسات والهياكل الاقتصادية والخطابات الإعلامية ثقلًا استراتيجيًا متزايدًا.  

نتيجة لذلك، لم تعد هناك صراعات كثيرة في القرن الحادي والعشرين تدور في الأساس حول الأراضي أو حتى حول الرؤى الوطنية المتنافسة، ولكن حول المزيد من المبررات الغامضة والهجينة حيث تكون السيطرة على المنطقة مجرد بُعد واحد من أبعاد لعبة شطرنج متعددة الأبعاد ومتعددة اللاعبين.

 في مثل هذه الحروب متعددة الأوجه، من المستحيل إحلال السلام في دولة مزقتها الحرب دون معالجة الأسباب الجذرية المعقدة للعنف.  إن مجرد إعادة المقاتلين إلى مواقعهم السابقة للحرب لن تكون كافية في الحالات التي تم فيها نزاع عسكري على الأرض فقط لفرض النفوذ على مؤسسة اقتصادية أو لمنح أحد الجانبين فرصة للانتصار.

***

وليس هناك مكان تظهر فيه هذه التعقيدات بشكل صارخ أكثر من ليبيا، حيث أنه منذ عام 2011 لم تتم خوض الحروب على خلافة البلاد في مرحلة ما بعد القذافي -والتي لا نهاية لها على ما يبدو- للسيطرة على الأراضي، بل للسيطرة على المؤسسات الاقتصادية وشبكات المحسوبية تحت انظار الشرعية والدعم الدولي المتردد والمتناقض بين أطراف الصراع. على مدار ربيع عام 2020، انتصر المدافعون عسكريا في أحدث جولة من الحرب الأهلية الليبية - "الحرب من أجل طرابلس" - وهم عبارة عن مزيج فضفاض من القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة.  لكن صد قوات الجنرال خليفة حفتر وتلك الموالية للجيش الوطني الليبي - مثل مختلف القوات القبلية في شرق ليبيا أو ميليشيا الكانيات من ترهونة في غرب ليبيا - لم يعالج الأسباب الأساسية للصراع.  

كان هجوم حفتر في أبريل 2019 على طرابلس غير قانونيا ومدفوعًا بجنون العظمة ومصممًا بذكاء لقلب مسار مؤتمر الحوار الوطني الذي توسطت فيه الأمم المتحدة، ومع ذلك فقد لعب بذكاء على وتر المظالم الحقيقية لبعض المجتمعات المحلية الليبية حول كيفية توزيع الثروة النفطية للبلاد وحول تركيبة المؤسسات الاقتصادية المتنوعة. في أعقاب الحرب على طرابلس ومع أزمة جديدة في محيط سرت والجفرة في صيف عام 2020، لا تزال الأسباب الحقيقية للصراع غير معالجة بتاتا.  

رغب مؤيدو مشروع الجيش الوطني الليبي في جميع أنحاء ليبيا في الاستيلاء على طرابلس، ليس للاستفادة من الهيمنة العسكرية لقتل خصومهم أو تنفيذ عمليات الترحيل القسري للسكان المهزومين في المقام الأول، ولكن لتغيير رؤساء المؤسسات الاقتصادية شبه السيادية في طرابلس وابراز عضلاتهم داخل شبكات الفساد والمحسوبية. 

 على هذا النحو، كانت حرب طرابلس خلال اعوام 2019-2020، وكذلك أسلافها - كحرب جنوب طرابلس أواخر صيف 2018 التي قادتها ميليشيا الكانيات المذكورة أعلاه، و "حرب مطار طرابلس" 2014 بقيادة عملية "فجر ليبيا" - لم تكن هذه الحروب تتعلق بمطالب جهوية أو عسكرية أو حتى سياسية تقليدية في الأساس.  كانت تتعلق بالوصول إلى خطوط الإثراء الشرعي والفاسد: خطابات الاعتماد وشبكات التهريب والوقود المدعوم، والسيطرة على تلك المؤسسات التي لا تعد ولا تحصى التي تمنح من خلال النظام الاقتصادي الفريد في ليبيا القدرة على ممارسة صلاحيات مالية وقانونية واسعة.

 لذلك، على الرغم من طرد حفتر وحلفائه بالجملة من غرب ليبيا، فإن المظالم التي سلطوا الضوء عليها واستغلوها لم تتغير.  الآن وبعد إزالة التهديد القادم من عدو مشترك، بدأ التحالف المناهض للجيش الوطني الليبي في الانهيار بسرعة.  كانت هناك احتجاجات مناهضة للفساد في الشوارع وتم تعديل المناصب الوزارية لمنع المسؤولين ذوي الشعبية العالية من تنفيذ إصلاحات طال انتظارها.  علاوة على ذلك، فإن الوضع الاقتصادي والإنساني في طرابلس أسوأ من أي وقت مضى حيث يؤثر انقطاع الكهرباء والإنترنت على أحياء بأكملها، وارتفعت أسعار الضروريات بشكل كبير، وأصبح الخلاف الداخلي بين الميليشيات والفصائل السياسية هو الوضع السائد في طرابلس اليوم.

 وسط هذه الفوضى، من المفترض أن المجتمع الدولي، بقيادة ألمانيا والأمم المتحدة والولايات المتحدة، قد حقق انفراجًا سياسيًا في أغسطس 2020 من خلال تشجيع إعلان وقف إطلاق النار من خلال تركيبة جديدة من المحاورين السياسيين.  لقد قاموا بدور مثير للإعجاب بجمع الوكلاء الدوليين للحرب الأهلية في ليبيا من خلال إقناع مصر وتركيا وروسيا والإمارات العربية المتحدة بالموافقة على أطر عمل معينة، مع تجنب القضايا الاقتصادية الحقيقية التي تمثل الأسباب الكامنة وراء العنف إلى حد كبير.  من الغريب أنه حتى في حالة إحراز تقدم تدريجي في القضايا الاقتصادية، فقد تم إهمالها وركن هذه القضايا إلى الظل.  

أخيرًا، تجري عملية مراجعة محاسبية جنائية للفرعين الشرقي والغربي لمصرف ليبيا المركزي (CBL) والتي تجريها شركة Deloitte، ومع ذلك يتم إجراؤها وسط الكثير من السرية المفرطة بالنسبة لي.  ومع ذلك، يمكن أن تكون نقطة انطلاق مفيدة.  ومن المقرر أن تستمر لمدة ستة أشهر ثم يتم تسليمها إلى ديوان المحاسبة الليبي للمتابعة.  ديوان المحاسبة هي الهيئة التي لديها تفويض قانوني لفحص دفاتر المؤسسات الاقتصادية الليبية شبه السيادية. ومع ذلك، فإن ديوان المحاسبة هي أيضًا جزء كبير من النظام الحالي للمؤسسات شبه السيادية في ليبيا.  مما لا شك فيه أنه على مر السنين منع العديد من حالات الفساد، لكنه منع أيضًا العديد من المشاريع المتماشية مع القانون من المضي قدمًا، لا سيما في قطاعي الرعاية الصحية والكهرباء.  والأهم من ذلك، أن ديوان المحاسبة مترسخ بعمق في الوضع الليبي الراهن ولديهم من الحوافز الشخصية لدعم الهياكل الموجودة حالياً.  

لذا فلا يمكن ولا ينبغي تكليف الديوان من قبل جهات دولية مثل الأمم المتحدة بالمزيد من اجل حماية ثروة ليبيا أو محاسبة المسؤولين والمؤسسات.  إن القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى خلق المزيد من الحواجز الهيكلية أمام الإصلاحات المنهجية وأجندة الشفافية الحقيقية. متابعة لمقترحاتي السابقة الواردة في هذه المسودة المعاد إصدارها، أدعو شركة Deloitte ومصرف ليبيا المركزي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لإكمال التدقيق المتعاقد عليه الجاري الآن.  بدلاً من تسليم الأمور إلى ديوان المحاسبة التي تم تمكينها حديثًا، أدعو المؤسسات الثلاثة إلى استخدام التدقيق المستمر والمحادثات متعددة المجالات التي تم إطلاقها حديثًا في المغرب كأساس لوجود المؤسسات الليبية الرئيسية واللاعبين السياسيين (بما في ذلك البنك المركزي وديوان المحاسبة). 

ان المطالبة بتكوين اللجنة المالية الدولية (IFC)، التي أصفها في هذه الورقة المعاد إصدارها، لا يمكن لخطوة مثل هذه أن تنتظر صفقة سلام بين الشرق والغرب الليبي- يجب إما المضي فيها أو أن تكون جزءًا لا يتجزأ من الصفقة.

تمثل المناقشات العامة الأخيرة التي عُقدت خلال أوائل سبتمبر 2020 في المغرب بين مجلس النواب الذي يتخذ من الشرق مقراً له ومجلس الدولة الأعلى الذي يتخذ من غرب البلاد مقراً له، فرصة مثالية لدمج المناقشات حول إصلاح المؤسسات شبه السيادية في ليبيا.  الاتجاه السائد لجهود الوساطة الدولية من أجل السلام.  من خلال العمل معًا، يتمتع المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب بالقدرة القانونية على استبدال رؤساء المؤسسات الاقتصادية الليبية الرئيسية وقد التزموا الآن علنًا باستكشاف طرق للقيام بذلك.  لجعل خياراتهم أكثر قبولًا لليبيين الذين سئموا الفساد والسياسة كالمعتاد، يجب أن يعلنوا أن رؤساء المؤسسات المعينين حديثًا سيتولون مناصبهم فقط في مقابل الدعوة إلى اللجنة المالية الدولية.

 بمجرد إنشاء اللجنة المالية الدولية، يمكن للجنة دعوة كبار الخبراء الدوليين في الاقتصاد الليبي وإعطائهم دورًا رسميًا في توفير المعلومات الأساسية والتصديق على حيادية ودقة مبادرات المتابعة والشفافية والإصلاح الموضحة في هذه الورقة.  يجب أن تكون عمليات التدقيق اللاحقة هذه بقيادة الخبراء (وليس فقط من قبل مدققي المراجعة المحاسبية الجنائية المحترفين الذين قد يفتقرون إلى المعرفة بليبيا).  بعد اكتمال المرحلة الأولى من تدقيق المصرف المركزي، يجب إصدار اختصاصات جديدة تشمل جميع الوزارات والمؤسسات شبه السيادية الليبية، مثل المؤسسة الوطنية للنفط، والمؤسسة الليبية للاستثمار، وهيئة تطوير المراكز الإدارية، والشركة العامة للكهرباء الليبية، وجميع المؤسسات شبه السيادية الأقل شهرة في ليبيا مثل صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي وديوان المحاسبة نفسها.  

يجب أن تخضع جميع المؤسسات الاقتصادية الليبية للتدقيق المحاسبي الجنائي من قبل فريق من التكنوقراط الدوليين، ومراقبين من الخبراء الدوليين المحايدين، والليبيين من النخبة المطلعة بم فيهم المغتربين، ويجب نشر تفاصيل العملية الدقيقة والنتائج على الإنترنت باللغتين العربية والإنجليزية.  

لا توجد غير اضواء الشفافية الساطعة التي يمكنها تطهير كل هذه الشبكات من الفساد التي تختبئ في الزوايا المظلمة فلا يمكن أن تكون هناك وساطة ناجحة بين مجموعة جديدة من الشخصيات السياسية من المناطق الشرقية أو الغربية طالما بقيت المصالح الاقتصادية الحقيقية للاعبين في الوضع الراهن مخفية في الظل.

 كما أوضحت التجربة السابقة تمامًا، يفتقر البيروقراطيين الدوليين والشركات متعددة الجنسيات المهتمة (مثل شركات المحاسبة” الأربعة الكبار") إلى الخبرة المحلية ذات الصلة والعلاقات مع المجتمع المدني الليبي لإنجاز المهمة الحقيقية.  الشركات الأربع الكبرى هي شركات مدفوعة بالربح في حين أن المؤسسات الدولية مقيدة بالتسلسل الهرمي والإجراءات البيروقراطية المختلفة.  لا يمكن لوم أي منهما على التزامهما بطبيعتهما الأساسية وافتقارهما للامتيازات السياسية اللازمة لمهمة مثل هذه.  نظرًا لتجاربهم الفريدة ومعرفتهم المؤسسية، يجب أن يشاركوا في مثل هذا التدقيق ولكن يجب أن يتم توجيههم من قبل القدرات والخبرات الحقيقية التي تعرف الوضع الليبي جيدًا مثل السفراء المتقاعدين المطلعين والمبعوثين الخاصين العاملين في تجمع يشمل كبار خبراء الأعمال والمفكرين في الاقتصاد الليبي.  

حتى الآن، ما شهدناه من القوى الكبرى في الوساطة في الحرب الأهلية الليبية ومراجعة نظامها المالي هو نهج “عمل كالمعتاد”، حيث تلعب لجان الأمم المتحدة ومجموعات العمل الدولية والشركات الكبرى أدوارها المعتادة.  كانت تشمل بعض الدبلوماسية اللبقة، وكانت التسويات المقترحة عبقرية، ولكن على الرغم من مهارة ونوايا بعض اللاعبين، لا زلنا نعرف إلى أي مسار سيقودنا ذلك، وهو أمر غير مفيد على الأرجح.  هناك حاجة إلى نهج جديد، يمكن أن يبني على الأساس الذي يتم وضعه بين الشخصيات السياسية الشرقية والغربية عبر الحوارات المغربية.

 لكي تنجح أي عملية تدقيق يجب ألا تتم كالمعتاد وتفويضها للشركات العملاقة والموظفين المنتظمين في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة أو البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي.  للراغبين في الحصول على تفاصيل حول كيفية تجميع فريق الاحلام او “dream team” من اجل ليبيا، يرجى الرجوع إلى تقريري السابق (إنه الاقتصاد الغبي: كيف تتجذر الحرب الأهلية الليبية في هياكلها الاقتصادية، المنشور مع IAI في روما).  باختصار، إذا قاد المراجعة خبراء حقيقيون في ليبيا، وجُلبوا حصريًا لهذه المهمة، وتم إجراؤها بشكل شامل حقًا، فإن هذه المراجعات تحظى بفرصة تاريخية لتعزيز الشفافية الحقيقية والإصلاحات الهيكلية الحقيقية.  وإلا فإن قوى “الوضع الراهن” ستفعل ببساطة ما فعلته في المحاولات السابقة: رمي الثغرات في اي جهود مبذولة ومنع التقدم باستخدام الإجراءات البيروقراطية والتركيبات الهيكلية لتلك المؤسسات ضد الهدف الحقيقي للبعثة.  

بالتزامن مع عمليات التدقيق التي يقودها الخبراء، يجب أن يتم تدفق النفط واستخدام العائدات لإصلاح كيفية توزيع الثروة وكيف يتم هيكلة الاقتصاد الليبي بأكمله. إن المحاولة التي تقودها الولايات المتحدة لاستئناف إنتاج النفط الليبي من خلال ترتيب آلية يمكن من خلالها أن تظل عائدات النفط مجمدة (أو بشكل أكثر دقة "غير قابلة للتسوية") في حساب تابع للمؤسسة الوطنية للنفط في المصرف الليبي الخارجي، تمثل بالتأكيد خطوة نحو معالجة الجوانب الفنية السطحية للصعوبات الاقتصادية الليبية، ولكن لم تقترح هذه المناقشات حلولاً حقيقية للأسباب الجذرية للصراع حتى الآن.  

وبالمثل، فإن الضغط من أجل إصلاحات المجلس الرئاسي وإعادة توزيع الشخصيات السياسية لتمثيل شرق أو غرب ليبيا لن يكون شيئًا ذي قيمة إذا لم تكن إصلاحات مصرف ليبيا المركزي، وسعر الدينار، والإعانات، والرواتب مرتبطة بشكل أساسي بأي صفقة سياسية.  من واقع التجربة، أعلم أنه من غير المحتمل للغاية أن يتم تنفيذ أي من هذه الاقتراحات، ولكن لا يزال يتعين على الليبيين الوطنيين والخبراء المؤهلين المهتمين بشدة بمستقبل ليبيا أن يطالبوا بها. يجب علينا جميعًا أن نتحد في الدفع من أجل "الشفافية الاقتصادية والإصلاح الهيكلي" لتكون الدعوة الواضحة للمشاركة المدنية والدولية والإنسانية في الصراع الليبي.  الحرب الأهلية الليبية معقدة للغاية، لكن الشفافية الاقتصادية التي تتبعها إصلاحات جوهرية للهياكل الاقتصادية غير الشفافة وغير المنتجة والفاسدة يمكن أن تسفر عن نتائج حقيقية لإزالة أسباب القتال وتجنيد الميليشيات.

لقد أخذ بعض رجال الدولة الذين يتطلعون إلى المستقبل والعاملين في الأمم المتحدة ومختلف الدول الغربية هذه القضية على محمل الجد ودفعوا من أجل مسار اقتصادي يتماشى مع نزع السلاح والمسارات السياسية لعملية برلين 2020.  ومع ذلك، لا يزال المسار الاقتصادي يُعامل على أنه ابن الزواج الغير مرغوب فيه.  لا يتم الإشادة به علنًا ولا يتم مشاركة أعمالها ونتائجها بشفافية.  ومع ذلك، حان الوقت الآن لتحريك المسار الاقتصادي إلى المقدمة وإعطاء الإصلاحيين المحتملين الأضواء والشهرة التي يستحقونها. تم تقديم إحدى الطرق الممكنة للقيام بذلك في تقريري الصادر في يناير 2020، "اللجنة المالية الدولية هي الأمل الأخير لليبيا”، والذي أعيد إصداره الآن باللغة العربية جنبًا إلى جنب مع هذه المقدمة الجديدة.  

يعتبر وضع الاقتصاد الكلي في ليبيا والبنية التحتية العامة أسوأ ما كان عليه منذ نهاية فترة العقوبات في التسعينيات.  إن الليبيين من جميع المعتقدات السياسية مستعدون للتوحيد وراء إصلاحات حقيقية حتى لو فرضت آلامًا قصيرة الأجل، واخفاقات محتملة على المدى المتوسط ​​، وحتى التعرض لتأثيرات اقتصادية طويلة الأجل لقطاعات أو مجتمعات محلية معينة. في يناير 2020، دعوت المسؤولين الرئيسيين للهيئات السياسية والمؤسسات الاقتصادية شبه السيادية في ليبيا إلى طلب المساعدة الدولية في تشكيل لجنة تكنوقراطية من أجل: أولاً، توخي الشفافية تجاه الشعب الليبي حيث يتم إنفاق أموالهم، حيث يتم دعمهم.  يتم نقل المنتجات، وحيث يتم الاحتفاظ بالمليارات بالفعل؛ وثانياً، إعادة كتابة قواعد الاقتصاد الليبي بطريقة شفافة، مع الأخذ بعين الاعتبار نصائح الخبراء الحقيقية وإرادة الشعب الليبي.  يمكن القيام بذلك الآن كمتابعة لمراجعة Deloitte لـمصرف ليبيا المركزي.

في هذه الورقة التي أعيد إصدارها الآن والتي نُشرت في الأصل في كانون الثاني (يناير) 2020، أوضحت أن فرض حظر الأسلحة والتغلب على المفسدين الدوليين كان أمرًا بالغ الأهمية، ولكن الخطوة الأولى فقط لتحقيق مأزق مؤلم بشكل متبادل.  وقد تحقق هذا الآن إلى حد كبير.  المأزق العسكري الحالي مفيد جزئيًا لأنه ينهي المعاناة التي لا داعي لها ويسمح بتحسين الوضع الأمني ​​حتى يتمكن المدنيون والتكنوقراط ورجال الأعمال من العودة إلى طرابلس والمجتمعات في جميع أنحاء البلاد.  ومع ذلك، فإن المأزق العسكري وحده لن ينهي حروب ليبيا على خلافة ما بعد القذافي.  لا يمكن أن تظهر أي صفقة سياسية دائمة إذا ظلت الأسباب الكامنة وراء العنف دون معالجة - الامتيازات شبه السيادية للسلالة الليبية الجديدة من الأوليغارشية الذين تجاوزوا فترة ولاياتهم المشروعة، والوصول غير المقيد إلى الأموال السرية، والتشوهات الفاسدة لآلية السوق التي هي جزءا لا يتجزأ من المؤسسات الاقتصادية الحالية في ليبيا.

بغض النظر عن عدد محطات الطاقة ووحدات توليد الكهرباء المتنقلة التي تمت إضافتها إلى شبكة الطاقة الليبية، فإن طرح الأحمال سيظل ضروريًا كل صيف إذا ظلت الكهرباء مدعومة ولم يتم تقييد نمو الطلب من خلال عمل بعقلية عرض وطلب السوق.  

بغض النظر عن مقدار تدفق عائدات النفط إلى ليبيا، ستستمر المعارك للسيطرة على المؤسسات الرئيسية في طرابلس حتى يتم إنشاء آليات الشفافية لعرض كيفية تدفق الأموال من وإلى المجتمعات المحلية والمؤسسات الليبية.  

بغض النظر عن امتداد السلام في ليبيا، سيكون هناك دائمًا حافز للانضمام إلى الميليشيات إذا كان القيام بذلك يوفر وصولًا تفضيليًا إلى السلع المدعومة (بما في ذلك العملات الأجنبية).

إن الوطنيين الليبيين الأذكياء وذوي العقلية المتمدنة، ولا سيما جيل الشباب، مستعدون لترك الماضي وراءهم ونسيان المظالم القديمة حول أي قبيلة او جهة بدأت أي حرب.  إنهم بحاجة إلىمساعدة من حلفائهم الحقيقيين في الخارج لتوفير الحماية والخبرة التكنوقراطية والغطاء السياسي لتحقيق رؤاهم للإصلاح والتجديد.  إن الخطة الواردة في "اللجنة المالية الدولية هي الأملالأخير لليبيا" هي إحدى السبل إلى الأمام.  نأمل أن يكون ذلك كافيًا لبدء المناقشة وتحفيز صانعي السياسة على التفكير في اتخاذ إجراءات أكثر جرأة من نهج "العمل كالمعتاد" المعتمدةفي القرن العشرين للتوسط في الحروب الأهلية التي ظلت سائدة حتى الآن.

 

 

Photo by MAHMUD TURKIA/AFP via Getty Images

 

نبذة مختصرة


 على مدى السنوات الخمس الماضية، جرب المجتمع الدولي مجموعة من الأساليب المختلفة للتوسط في الحرب الأهلية الليبية - أحيانًا عن طريق الأمم المتحدة، بينما في حالات أخرى من خلال مؤتمرات القمة التي تعقدها الدول الكبرى. في أوقات مختلفة، أدت جهود الوساطة هذه للتشديد على مسارات سياسية، ومسارات أصحاب المصالح المرتبطة، والمسارات التي تركز على الأمن، وكذلك النهج الانتخابية أو التي تركز على السكان.  عرض معظم اصحاب هذه المبادرات الجزر لمن ينجح في هذه المسارات، في حين هدد البعض باستخدام العصي الصغيرة ضد المفسدين.  لقد فشل الجميع.  

إن معظم الدول والمراقبين الذين لا يغذون الحرب بنشاط بالأسلحة والمال والتدريب والمرتزقة يرون الآن أن وقف هذه التدفقات المدمرة أمر بالغ الأهمية لجلب فصائل الميليشيات المتنافسة إلى طاولة المفاوضات. إن الحظر الحالي على الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة يتم تجاهله الآن بشكل علني من قبل العديد من الدول لدرجة أنها تنشر وتجري تصويتًا برلمانيًا على بعض انتهاكاتها.

 كان لمؤتمر برلين المقرر عقده في فبراير 2020 فرض حظر فعال على الأسلحة كهدف أساسي معلن عنه.  وعلى الرغم من صعوبة ذلك، فمن الممكن تحقيقه من خلال الدبلوماسية المنسقة وفرض عقوبات حقيقية على الانتهاكات التي ترتكبها الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها لثني الإماراتيين والمصريين والأتراك والقطريين والسودانيين والشاديين والروس وغيرهم من مزيد من التدخل.  ومع ذلك، فإن مجرد مواجهة هذا التحدي لن يكون كافياً لوقف العنف أو حل النزاع.  بمجرد قطع الميليشيات عن المصادر الخارجية للدعم العسكري، ستظل القضايا الاقتصادية الأساسية التي أدت إلى الصراع قائمة.

 فقط نهج جديد يمكّن الإصلاحيين الاقتصاديين الليبيين، بينما يعيد صياغة دور النظام الاقتصادي الليبي كمحرك للصراع، يمكنه إصلاح الخلل ومع ذلك، حتى التكنوقراطيين الليبيين الشجعان والبعيدين النظر لن يتمكنوا من تنفيذ الإصلاحات اللازمة بأنفسهم، طالما أنهم رهائن فعلاً من قبل المليشيات التي تستفيد من النظام الحالي.  

تحتاج الجهات الفاعلة الدولية إلى تسهيل ودعم إنشاء لجنة مالية دولية بقيادة ليبية تناط بها السلطات المطلوبة لإعادة هيكلة الاقتصاد بالكامل.  

سيتطلب ذلك ضم قادة الميليشيات الذين يملكون سلطة حقيقية في ليبيا.  لا يمكن لمثل هذا التبادل التجاري للخيول مع وسطاء القوة أن ينجح إلا في بيئة ينقطع فيها هؤلاء القادة بالفعل عن التدخل الأجنبي الذي يبدو أنه يحمل الوعد بالسماح لهم بغزو البلاد بأكملها دون تفاوض.

 لحسن الحظ، من المقرر بالفعل أن يشتمل مؤتمر برلين على مسار اقتصادي.  وبدلاً من أن يُحال إلى وضع عرض جانبي أو نهج موازٍ لاستكمال الانخراط السياسي، يجب أن يدعم المسار الاقتصادي بشكل مباشر الأولوية العاجلة لتأمين حظر وظيفي على الأسلحة من خلال إظهار أنصار أجانب من جميع الفصائل بأن الحل ممكن، وأفضل واقعيا، من جهودهم المدمرة لتأمين الهدف الوهمي المتمثل في السيطرة على السلطة الكاملة لفصيلهم المسلح.  

غالبًا ما تكون الدوافع وراء تدخل القوى الأجنبية الأكثر تعقيدًا هي القضايا الاقتصادية، بما في ذلك تأمين الدفع مقابل العقود القديمة - لذا تقاد كل من الميليشيات الليبية وكذلك مؤيديها الخارجيين بتفكير الاقتصادي أو السياسي مغلوط ذات محصلة صفرية.  

علاوة على ذلك، فإن ربط الإصلاح الاقتصادي بحل النزاعات بشكل صحيح يمكن أن يصبح قوة دافعة لإنشاء اللجنة المالية الدولية.  

من غير المرجح أن تصمد أي اتفاقية لوقف التدخل الأجنبي الضار في ليبيا بدون آلية بناءة جديدة للقوى الأجنبية لتأمين مصالحها الاقتصادية والأمنية الهامة في البلاد عبر آليات تأمن المحصلة الإيجابية بطريقة تفيد الشعب الليبي والاستقرار الدولي.

 

 

Heads of State, ministers and special envoys attend on November 13, 2018 an international conference on Libya at Villa Igiea in Palermo.

 

الجزء 1: تغطية كاملة لمجموعة المشاكل


شخيص جوهر المشكلة: في نقاط فرعية:

 هناك حاجة إلى نهج دولي جديد

مع فوضى ليبيا ما بعد القذافي والاخفاق في تقديم أي عقد اجتماعي مشروع للشعب الليبي، ظهرت نسخة منحرفة للعقد الاجتماعي الذي صاغه القذافي والموجود من قبل.  تشعر كل منطقة ليبية، ومحلية، وقبيلة، وتجمع أيديولوجي، وفرد أنه يحق لهم مثل أي شخص آخر الحصول على المال والسلطة الممنوحة للمؤسسات الليبية شبه السيادية. ولا يهتم قادة المجتمعات المحلية بأن الأسباب المنطقية لتلك المؤسسات لم تعد موجودة، لأنهم يريدون ببساطة قطعة من الكعكة.

لقد بزغت هذه الحقيقة تدريجيًا على معظم صانعي السياسة الغربيين المهتمين بليبيا: جذر تحول البلاد المتعثر وحرب خلافة ما بعد القذافي بعد عام 2014 تعتبر اقتصادية في المقام الأول - وليست سياسية أو أيديولوجية.

إن جهود صنع السلام المستقبلية، والمؤتمرات الوطنية، أو حتى الانتخابات المباشرة محكوم عليها بالفشل إذا لم تعالج الأسباب الجذرية لعلل ليبيا: الحوافز الاقتصادية السيئة والمؤسسات المعيبة.

إن مؤتمر برلين مهيأ بالفعل للفشل إذا لم يقدم نهجاً متماسكاً لمعالجة القضايا الاقتصادية.  نعم، هناك دلائل تشير إلى أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح حيث سيتم تضمين مسار اقتصادي متميز.  لكن هذا غير مجدي.  يجب أن يؤدي المسار الاقتصادي إلى إنشاء مؤسسات ذات مشاركة دائمة في الاقتصاد الليبي بدلاً من المشاركة المتفرقة عبر مؤتمرات القمم العرضية.

الوضع العسكري والدولي على الأرض

لقد تحول هجوم الجنرال خليفة حفتر في أبريل / نيسان على طرابلس من هجوم عفوي من قبل جنرال مارق إلى أول حرب استنزاف اقليمية بطائرات بدون طيار في التاريخ. إن القوى غير الغربية هي التي توفر الأسلحة والدراية التقنية لإبقاء عملائها واقفين على اقدامهم.  يتم التنازع على المكون الجوي للحرب في المقام الأول بين الإمارات العربية المتحدة وتركيا، في حين أن المرتزقة ومكونات التدريب في تلك الحرب تضع روسيا ومصر والسودان ضد تركيا وتشاد.

أصبحت تركيا الداعم لحكومة الوفاق الوطني، حيث رفضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا والجزائر طلبات رئيس الوزراء فايز السراج للحصول على المساعدة العسكرية اللازمة لمنع طرابلس من السقوط.  أنه إذا كانت طرابلس في خطر من أن يسيطر عليها مرتزقة مدعومون من روسيا، فإن تركيا ستسرع بقوات برية كافية لمنع هذه النتيجة.

مع تطور الحرب، تم تجاوز الدول الأوروبية باعتبارها اللاعب الدولي الأكثر مشاركة في "ملف ليبيا”، وبالتالي، يجب دعم المحاولات الألمانية والأوروبية للتوسط مع المغامرة باستعراض القوة الحازمة والا سيتم تجاهلها من قبل المتنافسين ذوي النفوذ العسكري على الأرض.  وباختصار، فإن إعادة المشاركة المتأخرة من أوروبا في وقت متأخر جدًا دون تطبيق أشكال نفوذ غربية فريدة ستعرض فقط مدى قدرة الدول غير الغربية الآن على استعراض القوة في ليبيا ، حيث يمكنها أن تهزأ بحظر توريد الأسلحة من قبل الأمم المتحدة  و توفير الطائرات بدون طيار والمرتزقة أو انتهاك المعايير الدولية من خلال توفير الحقن المباشرة للنقد أو الدينارات المطبوعة بشكل غير مشروع.

ستكون الدول الغربية، خاصة إذا كانت تعمل بشكل متضافر ،  قبضة خانقة على الأدوات الاقتصادية المشروعة اللازمة لإجبار كلا الجانبين على العمل معًا وتوفير القدرات والخبرات الفنية للقضاء على المحركات الاقتصادية للصراع في ليبيا.

لماذا ليبيا مهمة ولماذا الآن؟

من بين الصراعات الخمس الكبرى في العالم - أوكرانيا وسوريا / العراق وكوريا الشمالية واليمن وليبيا - وحل صراع ليبيا هو الوحيد التي يمكن أن يدفع تكلفته البلد نفسه.  سيؤدي حل النزاع الليبي إلى مليون برميل إضافي يوميًا من النفط الخام الخفيف، وإنفاق أكثر من مائة مليار دولار سنويًا على المشاريع الضخمة، وتوظيف مليون عامل أجنبي، ودفع متأخرات بمئات المليارات.

علاوة على ذلك، سببت دورة العنف المستمرة في ليبيا وانعدام سيطرة الدولة في خلق واحدة من أهم المحاور للجهات الجهادية خارج بلاد الشام، مع تسهيل انتشار الأسلحة والاتجار بالمهاجرين وشبكات الجريمة الدولية الرئيسية.  في الوقت الحاضر، تعد ليبيا مصدرًا رئيسيًا لعدم الاستقرار في الأنظمة الإقليمية لمنطقة البحر المتوسط ​​والساحل.  إذا كانت مستقرة مع اقتصاد وظيفي، فستكون ركيزة أساسية للاستقرار لكليهما

لكل هذه الأسباب، فقد حان الوقت لأمريكا وأقرب حلفائها للتوجه نحو نهج يركز على الاقتصاد لصنع السلام في ليبيا.  إنه السبيل الوحيد الذي قد يوفر الهياكل الحافزة للسلام ويقوض تلك الخاصة بالعنف.  ويمكن القيام بذلك إما على مستوى المجتمع الدولي أو من قبل بعض البلدان ذات التفكير المماثل على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف.  يجب أن تكون بريطانيا وإيطاليا والمؤسسات الأوروبية أطراف أساسية لأي عملية.

يحتاج مؤتمر برلين القادم إلى اقتراح مخرج من الطريق المسدود الحالي الذي يؤدي إلى أكثر من وقف إطلاق نار مؤقت أو حفل توقيع، ولكنه يتعامل مع جوهر المشكلة التي أدت إلى الحرب الحالية في المقام الأول.

 

The real rulers of the roost: Post-Gadhafi Libya’s semi-sovereign economic institutions

 

 الزاوية الاقتصادية كحل سحري للازمة الليبية 

لإصلاح الاقتصاد الليبي، يجب علينا فهم جوهره.  كان هيكل اقتصاد القذافي دائمًا محاولة غير منسقة لشراء ولاءات قطاعات المجتمع المختلفة في البلاد وخلق مركبات معقدة للحاشية المرافقة للسلطة.

لم يتم إصلاح النظام الاقتصادي الليبي بأي طريقة ذات مغزى منذ انتفاضة 2011.  إنه يحتاج إلى إصلاح اقتصادي جذري وفرعي.  إن وجود ترتيب لتقاسم السلطة بين القادة في طبرق وطرابلس الذين تجاوزا مدة تفويضهم لفترة طويلة لن يعالج هذه القضية.

حتى التكنوقراط والقادة الليبيين الشجعان وبعيدي النظر لن يكونوا قادرين على تنفيذ الإصلاحات الضرورية بأنفسهم طالما أنهم رهائن فعلاً من قبل المليشيات التي تستفيد من النظام الحالي.

لذلك، سيحتاج الإصلاحيون والقادة الليبيون إلى بدء الطريق إلى الأمام من خلال الدعوة لمساعدة ودعم التكنوقراط من الخارج وبإشراف الحكومات والمؤسسات الدولية الرئيسية.

إن إجراء الانتخابات دون إصلاح الأشكال الفريدة للاختلال الوظيفي للاقتصاد الليبي هو مجرد وصفة لتكثيف الحرب المستمرة على الوصول إلى خطوط الفساد، أي مصرف ليبيا المركزي ووزارة المالية ولجنة الموازنة وديوان المحاسبة.  يجب حماية هذه المناصب عن أي تدخلات سياسية او عسكرية في اعمالها.  علاوة على ذلك، قبل الشروع في أي الخوض في مرحلة أليمة قصيرة المدى لإصلاحات اقتصادية على المدى الطويل، يجب فصل التكنوقراط المعينين والمدعومين من الغرب في هذه المواقف الحاسمة عن العملية السياسية عن طريق اللجنة المالية الدولية، والتي يمكن أن تأخذ عنهم الضغط عندما تحتاج الإجراءات غير الشعبية للتنفيذ.

من أجل استعادة الإصلاح الاقتصادي، لا يمكن للاعبين الدوليين العمل فقط مع المحاورين الحاليين.  تكمن المشكلة في أنه باستثناء المؤسسة الوطنية للنفط، فإن جميع المؤسسات الاقتصادية شبه السيادية الرئيسية في ليبيا معطلة بعمق وتؤدي إلى نتائج عكسية بقدر ما تكون راسخة.  يجب إنشاء محاورين جدد وإطار اقتصادي جديد من خلال إصلاح المؤسسات القائمة.  هذه هي مهمة اللجنةالمالية الدولية المقترحة.

بأي حق يمكن للفاعلين الدوليين إخبار الليبيين أو إرشادهم فيما يتعلق بكيفية إصلاح اقتصادهم؟  تقول إحدى مدارس الفكر أن المجتمع الدولي، والأمم المتحدة على وجه الخصوص، بعد سقوط نظام القذافي وفشل حكومة ذات سيادة غير مؤقتة في الظهور، ملزمان فعليًا بالتصرف كما في النظام المحلي للسيادة الليبية الشاغرة (كما فعلوا في الفترة 1947-1951 بعد أن أجبرت إيطاليا على التنازل عن مطالبها بالسيادة بعد خسارتها الحرب العالمية الثانية، ولكن قبل تشكيل دولة ليبية مستقلة).

وبدلاً من عقد المزيد من جولات المؤتمرات الدبلوماسية ومفاوضات السلام، تحتاج القوى الإقليمية والدولية الكبرى إلى الالتفاف حول إنشاء اللجنة المالية الدولية ومقرها في مالطا أو تونس أو لندن.

لدى كل من روسيا وتركيا عقود بمليارات الدولارات مع النظام السابق وفي بعض الحالات مع كيانات حكومية ما بعد القذافي.  الخسارة الكلية لهذه العقود غير مقبولة بالنسبة لهم، في حين أن القتال للحصول على مكانة متميزة للحصول على أموال لكل من العقود القديمة والحصول على عقود جديدة يوفر حافزًا قويًا لدعم تحالف مليشيا يعتقدون أنه يمكن تأمينها لهم.  سيكون من الصعب إقناع هذه القوى الخارجية بأن ليبيا المستقرة هي مكسب للجميع، لكن العقل يدعم هذه الحجة.  من المرجح أن تحصل روسيا وتركيا وغيرها على بعض الفوائد الاقتصادية من ليبيا مستقرة، لا يسيطر عليها حصريًا أي تحالف مليشيات معينة، من بلد تمزقه الحرب الأهلية.  وسيستفيد الشعب الليبي والدول الدائنة المتنافسة ولصالح الاستقرار الدولي في نفس الحل أيضا.

يحتاج الليبيون إلى معرفة أن العالم لا يهتم بهم فقط لما يصدرونه (النفط الخام، الأسلحة، المهاجرون، الجهاديون)، ولكن ايضا من أجل رفاه الليبيين وسلامة الاقتصاد الليبي والاجسام السياسية.  علاوة على ذلك، وعلى المدى الطويل، ستدفع ليبيا تكاليفها، ويجب أن يتم تمويل اللجنة المالية الدولية جزئيًا من قبل صندوق الثروة السيادية الليبية.  ومع ذلك، ينبغي أن تكون القوى الكبرى على استعداد لبذل الجهد والأموال مقدمًا لتُظهر لليبيين أن نهج صنع السلام الجديد هذا "حقيقي".  ستكون هذه الأموال ضرورية لتهدئة الاضطرابات والحرمان التي ستنشأ من العلاج الصادم المرافق للإصلاحات التي يحتاجها الاقتصاد الليبي.

 

 

A picture taken on July 16, 2018, shows workers gathered at the building of the National Oil Corporation (NOC) of Libya, in the capital Tripoli on July 16, 2018. - Four workers were kidnapped on July 14 from an oil field in southern Libya, with two of them later released, Libya's National Oil Corporation said.

 

عشر توصيات متعلقة بالسياسات لإزالة العوامل الاقتصادية للصراع في ليبيا ووضع البلد على طريق الازدهار وتنمية رأس المال البشري


 

تمت صياغة التوصيات أدناه بالتنسيق مع العديد من الرؤساء الحاليين والسابقين لأبرز المؤسسات الاقتصادية شبه السيادية في ليبيا، بالإضافة إلى كبار الدبلوماسيين البريطانيين والأمريكيين المتقاعدين الذين خدموا في ليبيا وعلى أراضيها.  على مدى السنوات الثلاث الماضية، أجريت أكثر من 15 مناقشة / مقابلة.  كما ناقشت هذه الأفكار مع الأعضاء الرئيسيين في المجتمع المدني الليبي والمثقفين في الشتات.  يرغب الليبيين الشجعان في الشروع في الإصلاحات اللازمة، لكنهم يفتقرون إلى المساعدة التي يحتاجونها لإطلاقها.  

تتخلل أفكار هؤلاء المشاركين هذه الورقة وتشكل جوهر ما يلي، "عشر توصيات متعلقة بالسياسات لإزالة العوامل الاقتصادية للصراع في ليبيا ووضع البلد على طريق الازدهار وتنمية رأس المال البشري".

1. إنشاء اللجنة المالية الدولية ومقرها في مالطا او تونس او لندن.  سيكون لها مكاتب في طرابلس ومصراته وسبها وطبرق والبيضاء وبنغازي، ولكن من الضروري أن يكون مقرها خارج ليبيا حتى لا يتعرض أعضاؤها الليبيون لترهيب الميليشيات وأن يتمكن كبار المسؤولين الغربيين من الاطلاع على اعمال اللجنة بسهولة.  لتحقيق المشاركة الليبية، سيبدأ اللاعبين الليبيين من السياسيين والاقتصاديين والمؤسسات الرئيسية في إنشاء اللجنة المالية الدولية بطلبها ثم المشاركة فيها رسميًا - في البداية عن طريق السماح بمراجعة حسابات مؤسساتهم وآليات تعزيز الشفافية الأخرى.  إذا كان هناك تردد نيابة عن أصحاب المصلحة الليبيين المعنيين في تشكيل اللجنة، فيمكن لأولئك الراغبين تعزيز الشفافية ومراجعة حسابات مؤسساتهم، الأمر الذي سيزيد من قوة الدفع لدى لجنة الدولية الكاملة ويزيد من صعوبة مقاومة المفسدين. 

 نظرا لأهمية الترتيبات العلنية الواضحة للعيان، فإنه لن يطلب المجتمع الدولي رسميًا بتشكيل اللجنة أو انعقادها، بل ستبدأها المؤسسات الليبية شبه السيادية والحكام السياسيين المتنافسين للحكومات الموازية - مع الاعتراف بأن الاقتصاد الليبي معطل ويحتاج إلى مساعدة حلفاء ليبيا ليتم إصلاحها.  كما هو مذكور أعلاه، تحدث كاتب هذه الورقة مع العديد من رؤساء أهم المؤسسات شبه السيادية الليبية (بما في ذلك المؤسسة الوطنية للنفط، البريد الليبي، شركة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، البنك المركزي، وهيئة الاستثمار الليبية؛ لقد أكد لي الكثيرون أنه كانت هناك الآليات المناسبة التي سيطلبون فيها إنشاء مثل هذه اللجنة لمساعدتهم على أداء وظائفهم بشكل أكثر فاعلية، وأنهم يرغبون في الانضمام إلى اللجنة المالية الدولية، بصفتهم أصحاب مصلحة في اللجنة ووكلاء إصلاح لها..  علاوة على ذلك، فإن المؤسسات التي تمتلك ثروة سيادية (شركة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، البنك المركزي، وهيئة الاستثمار الليبية  وفرعها الصندوق الليبي للاستثمار المحلي والتنمية ( ستكون على استعداد لتمويل أنشطة اللجنة المالية الدولية إذا جلبت المزيد من المشاركة الغربية ، وبناء القدرات ، وحماية  مؤسساتهم من تغول الميليشيات.

 لقد أوضحت هذه الورقة أن اللجنة المالية الدولية ضرورية لإلغاء هياكل الحوافز الفاسدة التي تعمل في الوقت الحاضر.  هناك حاجة إلى لجنة فوق وطنية حقيقية ذات سلطات سيادية لإصلاح مؤسسات الاقتصاد الليبي.  يجب أن يكون Casse de la Dette Publique او صندوق خدمة الدين العام الأنجلو-فرنسي في مصر الخديوية عام 1876نموذجًا مفاهيمها فضفاضًا (وتتم ترقيته إلى القرن الحادي والعشرين نظرا للحساسيات الليبية، بالطبع) عن الكيفية التي يمكن أن تتمتع بها اللجنة الدولية بسلطات إشراقية وإدارية ورقابية على اقتصاد بأكمله والبت في مطالبات الدائنين السياديين والشركات المتنافسة.  

لن يعمل الخبراء التقنيون الدوليون المتضمنون في الوزارات الليبية - حيث أن الوزارات في ليبيا تتمتع بسلطة قليلة نسبيًا، وتتكرر وظائفها على المستوى المؤسسي شبه السيادي.  لقد جُرِّبَت عملية دمج الخبراء التقنيين دون خبرة تخصصية بالبلد وفشلت بعد الإطاحة بالقذافي.  سوف تميز اللجنة المالية الدولية نفسها عن تجارب التدريب السابقة من خلال وجود ليبيين وخبراء غربيين حول ليبيا كمكوناتها الأساسية.  ليبيا معقدة للغاية بالنسبة إلى الغرباء - بخلاف أولئك الذين كرسوا جزءًا كبيرًا من حياتهم المهنية - لإصلاحها.

 ستبدأ اللجنة المالية الدولية بفهرسة ومراجعة الاقتصاد الليبي - التدفقات المالية والنفطية بالإضافة إلى الإعانات، والبنى المؤسسية، والديون للشركات الأجنبية، واختصاصات السلطات المختلفة.  بمجرد إجراء البحث وإعلان النتائج، ستشارك اللجنة المالية الدولية في مرحلة العمل للإعلان عن الإصلاحات وتنفيذها.  يجب أن يكون لديها عدد متساوٍ من الأعضاء المصوتين من ليبيا ومن القوى الدولية والإقليمية الرئيسية.  يجب أن تتناوب الرئاسة بين ليبي وبريطاني ومسؤول في الاتحاد الأوروبي وأمريكي.

 في الوقت الحاضر، يمتلك فقط الخبراء الدوليين القدرة على ابتكار الآليات التقنية اللازمة لإصلاح الاقتصاد الليبي بطريقة شفافة.  يجب على المسؤولين في منتصف العمر من وزارات الخارجية أن يعملوا في اللجنة، وليس فقط الخبراء التقنيين.  هذا هو في الأساس للإشارة إلى الإرادة السياسية والارتباط المباشر من صانعي السياسة الرئيسيين في لندن وبروكسل وروما وواشنطن لإسناد مهمة اللجنة إلى النفوذ السياسي والسلطة اللازمين.

 2. سيكون أول عمل للجنة هو إنشاء موقع على شبكة الإنترنت - مع سهولة الوصول عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت - يمكنه توصيل إجراءات اللجنة المالية الدولية إلى الليبيين والعالم باللغتين العربية والإنجليزية.

 ليبيا لديها واحدة من أعلى معدلات وسائل التواصل الاجتماعي ودخول الفيسبوك في العالم ومواطنيها منخرطون بشكل كبير في الخطاب السياسي للبلاد.  حتى الآن كانت هذه نقطة استقطاب.  يمكن استخدامه على قدم المساواة كنقطة إدراج.  يجب أن يكون الليبيون قادرين على تقديم الأدلة بسهولة إلى اللجنة عبر منصة على الإنترنت.

 3. بعد تشغيل الموقع، يجب أن تكون الخطوة الثانية للجنة معرفة كيفية عمل الاقتصاد الليبي في الوقت الحاضر.  وستوظف خبراء أكاديميين ورجال أعمال ودبلوماسيين ليبيين ودوليين متقاعدين لرسم خريطة للاقتصاد الليبي وأصحاب المصلحة فيه.  يوضح هذا العمل علاقات السلطات الرسمية والقوى غير الرسمية والقوانين القائمة التي تشكل بنية الاقتصاد والمؤسسات الليبية.  وستنشر نتائجها على شبكة الإنترنت باللغتين العربية والإنجليزية ليراها الجميع.

وسيسهل ذلك انضمام ليبيا للإصلاحات المقترحة.

على عكس المجتمعات الأخرى، ليس لليبيين دستور أو قانون أساسي أو ميثاق ملكي يفسر كيفية تدفق السلطة في مجتمعهم.  الشعب الليبي متعلم ومشارك وفضول للغاية.  يجب على اللجنة المالية الدولية عدم الانخراط في الدعاية الموجهة.  يجب أن يقدم ببساطة الحقائق كما تم التحقق منها من قبل الخبراء.  ستخلق هذه الخطوة حسن النية لمؤسسة التمويل الدولية وتسمح بإجراء محادثة مع الشعب الليبي بطريقة لم تفعلها المحاولات السابقة في الحوار الوطني.

 4. إنشاء نظام لمراقبة تدفقات البنزين المكرر بشفافية.

 يجب إنشاء نظام تحديد مواقع GPS لشاحنات البنزين وموقع خاص على الويب يسمح بتتبع حركة البنزين في جميع أنحاء البلاد في الوقت الفعلي.  يمكن تمييز كل البنزين للسوق المحلية الليبية بمركب خاص بحيث يمكن تتبعه إذا تم تهريبه إلى الخارج.  وقد أوصت المؤسسة الوطنية للنفط(NOC) بهذه الخطوة سابقًا

 5. إنشاء نظام لمراقبة الشفافية للتحويلات المالية من وإلى مصرف ليبيا المركزي CBL وإليها والخروج منها.  في الوقت الحاضر، فقط موظفو الفروع المتنافسة في المركزي والقادة العسكريين يعرفون كيف يعمل الاقتصاد الليبي حقًا.  ولا يدرك كبار المسؤولين في حكومة الوفاق الوطني والحكومة المؤقتة التي تتخذ من البيضاء مقرا لها كيفية إنفاق مبالغ مختلفة.

 يجب تحقيق شفافية كاملة في تخصيص الأموال للوزارات والبلديات على الفور.  يجب أن يكون واضحًا أيضًا ما ينفقونه عليه.  يجب نشر النتائج على الإنترنت باللغتين العربية والإنجليزية.  لقد انتشر الفساد في الظلام وسيقلل من الضوء تدريجياً.  لا يتحمل مصرف ليبيا المركزي وحده المسؤولية عن الوضع الراهن.  إنها نتيجة إرث القذافي.  ومع ذلك، لا يمكن تنفيذ هذه الخطة بدون تأييد المركزي.

 6. استكمال مراجعة حسابات المؤسسات الاقتصادية شبه السيادية في ليبيا.  جعل الوثيقة الناتجة عن "من لديه ماذا وأين" عامة لجميع الليبيين.

 7. الحصول على موافقة الشعب الليبي على ما سيبدو عليه الاقتصاد الليبي "العادل" من خلال إجراءات   التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي واستطلاعات الرأي الهاتفية، لتبلغ ذروتها في مؤتمر وطني حول الموضوع.

 8. القيام بإصلاح الدعم وتخفيض قيمة العملة ثم التعويم.  يجب أولاً إصدار الخطط ثم تنفيذها.

 9. يجب على اللجنة المالية الدولية إعادة كتابة القوانين التي تحكم المؤسسات شبه السيادية الليبية، ثم تنفيذها من قبل تلك المؤسسات بالتنسيق مع السلطات الحكومية ذات الصلة.

 10. يجب اختيار التكنوقراط الجدد - خاصة الشباب والنساء - من خلال عملية جدارة وتثبيتها داخل المؤسسات التي تم إصلاحها.  يجب أن يتلقوا تدريبات واتصالات مستمرة من مؤسسة التمويل الدولية أثناء إعادة تشكيل الاقتصاد الليبي.

 

 

A fighter of Libya's UN-backed Government of National Accord (GNA) of Fayez Serraj, fires his rifle during clashes with forces of the self-styled Libyan National Army (LNA) led by Libyan strongman Khalifa Haftar, at Al-Khalla frontline.

 

لجزء الثاني: الخلفية والسيادة والتوقيت والنفوذ


 ما هي الحرب الحالية حول طرابلس حقا؟

 منذ انطلاقها في أبريل 2019، أدت معركة طرابلس، أو ما أسميه في مكان آخر الحرب الثانية من أجل وراثة ما بعد القذافي، إلى حالة من الجمود.  محاولات الجنرال حفتر لاستخدام ما يسمى بالجيش الوطني الليبي لغزو طرابلس عبر الحرب الخاطفة دون دعم خارجي ضخم لم تكن ذات مصداقية وتم القضاء عليها من خلال استعادة غريان في يونيو 2019.14 الآن محاولات حفتر للاستيلاء على طرابلس عن طريق الاستنزاف في  في أعقاب هجوم "ساعة الصفر" المعلن عنه في ديسمبر 2019 ، يعتمد بشكل كبير على القوات الجوية الإماراتية والمرتزقة والمدربين الروس والسودانيين والمصريين.  هذا لا يعني أن الجانب المناهض للجيش الوطني الليبي أو المؤيد للجيش الوطني الليبي يعمل بشكل أفضل - حيث تمزقت صفوفه بسبب الانشقاق والعديد من الجماعات المتحالفة معه لم تخصص معظم قوتها القتالية للمعركة.  لو لم يكن التحالف المناهض للجيش الوطني الليبي مدعومًا بالدعم التركي والاعتماد غير المتوازن على ميليشيات مصراته المتشددة في المعارك، لكانت طرابلس قد سقطت منذ فترة طويلة.

 في 2 يناير 2020، وافق البرلمان التركي على مشروع قانون يتيح نشر القوات التركية أو المرتزقة في ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني.  هذه هي المرة الأولى التي أعلنت فيها دولة أجنبية بشكل صريح التزامها بالتدخل العسكري المستمر في الحرب الأهلية في ليبيا.  ورداً على ذلك، شن الجيش الوطني الليبي غزوًا استباقيًا وناجحًا إلى حد كبير على سرت في 6 يناير 2020 - خوفًا من أن أي زيادة قادمة في المرتزقة واللوجستيات والقوات الجوية التركية ستقلل المعركة في جميع أنحاء البلاد ضدهم.  إن الاستيلاء الأخير للجيش الوطني الليبي على سرت هو أهم تطور في حملتهم لغزو طرابلس، استراتيجيًا ورمزيًا، منذ خسارتهم المدمرة لغريان في منتصف عام 2019.  المضي قدمًا، في محاولة لكسب قدم وفي غياب أي تراجع دولي ملموس من أجل إدخال القوات الأجنبية بشكل علني، يمكننا أن نتوقع رؤية الاختراق الأجنبي شبه الكامل للجوانب الاستراتيجية والتشغيلية لكلا التحالفين المتحاربين - مما يؤدي لمزيد من إطالة المعركة على الأرض.

 إذا كان التاريخ هو أي دليل، فكلما أصبحت المعركة أطول، كلما كان هذا لصالح حفتر.  إن وحدة التحالف المناهض للجيش الوطني الليبي هشة للغاية، بينما أثبت حفتر في فتوحاته السابقة لدرنة وبنغازي أنه على استعداد للعب المباراة الطويلة.

 أدرك حفتر منذ فترة طويلة أن المؤسسات الاقتصادية شبه السيادية هي أساسًا في صميم أي صراع سياسي / عسكري. وقد جعل رحيل محافظ البنك المركزي هتافا لحشوده عندما استولى على موانئ الهلال النفطي في يونيو 2018 لكن الكبير لا يزال قائماً على الرغم من تجاوز مدة ولايته كحاكم المركزي لسنوات عديدة.  ولا يزال في وضع حيث بموجب اتفاق الصخيرات يمكن لرئيس مجلس الدولة الأعلى خالد مشري أن يوافق نظريًا ببساطة على تعيين مجلس النواب لمحمد شكري ويدفعه خارجاً.

 يمكن القول إن السعي الحالي للاستيلاء على طرابلس كان محاولة أخيرة للسيطرة على البنك المركزي وكان جارياً قبل بدء هجوم 4 أبريل / نيسان. لم تنجح المحاولات السابقة للاستفادة من السيطرة على الهلال النفطي الليبي لتحقيق التأثير على سياسة بنك ليبيا المركزي.

 أخبر أحد المطلعين على الحاضرين في اجتماع أبوظبي في مارس 2019 بين السراج وحفتر، حيث تصافحا ويفترض أنهما "اتفقا" على قرارات مشتركة، يبدو للمؤلف أن حفتر  تكهن بأن تفاهمات أبوظبي من المقرر أن يتم تكريسها في المؤتمر الوطني  المقرر في 14 أبريل / نيسان سيثبت في النهاية أنه غير مرضٍ له ، إذا ما زالوا يتركون المؤسسات الاقتصادية الليبية خارجة عن متناوله.  

تم تعيين حفتر لتحقيق قدر قليل من السلطة السياسية والعسكرية على ليبيا من خلال هذا الاتفاق وعملية المؤتمر الوطني التي تلت ذلك.  علاوة على ذلك، إذا كان قد دعا إلى الانتخابات وقدم العديد من التنازلات الطفيفة لتأمينها، فمن المحتمل أن يكون قد تم انتخابه رئيسًا.  ومع ذلك، في غياب إعادة هيكلة مقترحة للمؤسسات الاقتصادية الليبية، اختار العنف على أي من تلك المكاسب السياسية.

 من المرجح أن تلك الدوافع لمواصلة القتال تحرك القيادة العليا للجيش.  بينما يجتاز الجمود الواضح في الحرب المزيد من القوى الإقليمية التي تسعى لتأمين مصالحها في ليبيا، يحتاج من المحاورين الرئيسيين (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) إلى المساعدة في اقتراح مخرج من المأزق الحالي الذي لا يقتصر على التوقف المؤقت للنار، لكنها تتعامل مع جوهر المشكلة التي أدت إلى الحرب في المقام الأول.  

من أجل أي حل وسط أن يستمر يجب أن يعالج المحركات الحقيقية للصراع.  ومن المفارقات، أنه إذا كان من الممكن اعتبار اللجنة المالية الدولية بمثابة تحقيق العدالة الاقتصادية للمجتمعات المهمشة مثل تلك الموجودة في الشرق والمناطق المنتجة للنفط، فيمكن قبولها من قبل كبار ضباط الجيش الوطني الليبي وكوادر معينة من مؤيديهم الاجتماعيين والقبليين الرئيسيين.

 فشلت اتفاقية الصخيرات لأنها كانت مركزة سياسياً ووضعت القضايا الاقتصادية الرئيسية في حالة من الجمود الشديد، في حين حفزت شاغليها على معارضة الإصلاح - مما سمح للمحركات الاقتصادية للصراع الذي أدى إلى مشكلة الميليشيات، مشكلة التهريب، مشكلة المؤسسات شبه السيادية، والمشكلة الجهادية كلها ستبقى على حالها.

 ما يمكن أن نجمعه مما سبق هو أن الليبيين يتقاتلون من أجل الوصول التفضيلي إلى المؤسسات التي تمارس القوة الاقتصادية، والجهات الفاعلة الأجنبية تدعم تلك الجوانب التي يرون أنها ستضمن قدرتهم التفضيلية على تأمين المدفوعات المتأخرة والعقود المربحة والحلفاء الإيديولوجيين.  هذه ليست مجرد معركة للسيطرة على المنشآت النفطية أو المقر الرئيسي لـ المركزي.  المعركة معقدة مثل الاقتصاد الليبي نفسه.

 إن النظام الاقتصادي الليبي ليس نظامًا ريعيًا مباشرًا حيث يتم دفع السكان المحرومين من الإعانات والمرتبات والامتيازات الاجتماعية لتبقى هادئة.  نعم، ليبيا لديها جوانب كل هذه العناصر.  ومع ذلك، فهي ليست دولة رفاهية مبنية على أساس عقلاني، مثل تلك الموجودة في دول الخليج، حيث وفقًا للقواعد المحددة بوضوح، يحصل السكان على صدقات من الحكومة وتتلقى النخب المختلفة فرصًا لإثراء أنفسهم ضمن معايير واضحة.

 كما كتبت في مكان آخر، يجب أن تتم دراسة التعقيدات الدقيقة للاقتصاد الليبي من قبل المتخصصين، ولكن لتوليد المعلومات المطلوبة، يحتاج المجتمع الدولي إلى استدعاء الإرادة السياسية للدفاع عن الشفافية وتحفيزها.  

عندها فقط يمكن استخدام المعرفة الناتجة للتراجع عن محركات الصراع.  إن النهج المثالي سيكون لأصحاب المصلحة الليبيين الرئيسيين على جانبي الانقسام السياسي وفي فرعي المؤسسات المقسمة للدعوة إلى المساعدة الدولية والتحكيم من خلال لجنة مالية دولية للقضاء على محركات الصراع.  قد يمثل ذلك طريقة واحدة "لإكمال" العملية الثورية التي لم تكتمل والتي لا يزال الليبيون يقاتلون من أجل تشكيلها حسب رغبات الفصائل.  قد يقول معارضو هذه "العملية الوطنية ذات نهج الدعم الدولي" إن اللامركزية هي طريقة أفضل لإلغاء الهياكل الحافزة الضارة للاقتصاد الليبي.

أنا أزعم أن الاقتصاد الليبي الذي تم إصلاحه من قبل اللجنة المالية الدولية من المرجح أن يكون أكثر لامركزية في هياكله، ومعظم عائدات النفط مشتتة وإنفاقها على المستوى المحلي. ومع ذلك، هناك حاجة إلى عملية وطنية بدعم دولي لإنشاء هذه الهياكل اللامركزية.

 

 

Photo by MAHMUD TURKIA/AFP via Getty Images

 

لم تكن احداث 2011 ثورة: لهذا نجت الهيكلية الاقتصادية (المؤسسات شبه السيادية) للنظام السابق:


 ما حدث في 2011 كان مجرد سلسلة من الانتفاضات غير المتصلة.  إن ثورة جذرية وفرعية حقيقية (مثل فرنسا في عام 1789 أو روسيا في عام 1917 أو دول حلف وارسو في عام 1989) كانت ستدمر كيانات مثل صندوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومنظمة تطوير المراكز الإدارية، البنك المركزي وهيئة الاستثمارات الليبية   - مصادرة أموالهم، واستبدالها بمؤسسات أكثر وظيفية أو أكثر "ثورية" مسؤولة عن منطق النظام الجديد، وإخراج الأموال بناء على طلب من النظام الجديد.

 تم تدمير المؤسسات الروسية القيصرية، ومحو التزاماتها أو العملة الصعبة إما من قبل الهياكل الجديدة أو تم نهبها.  حدث الشيء نفسه مع سقوط الاتحاد السوفياتي.

 لكن في ليبيا، وبسبب غياب قيادة حقيقية أو رؤية موحدة لما يجب أن تبدو عليه ليبيا ما بعد القذافي، فإن العمالقة اصحاب الملايين من الدولارات ما زالوا في مواقعهم.  تم رفع الرواتب والإعانات في مناسبات متعددة، ومع ذلك لم تتغير الآليات والمنطق المؤسسي لاستخدام عائدات النفط والمركزية الشديدة لشراء رضى الشعب الليبي.  

اليوم، تظهر شركة الشركة العامة للكهرباء الليبية وهيئة الاستثمارات الليبية   ، على سبيل المثال ، الكثير من حقائق الحياة الليبية مثل الصحراء الكبرى - ثابتة وأبدية ، مليئة بالموارد الاقتصادية الهائلة وفرص هائلة غير مستغلة بسبب عدم الكفاءة والتهريب والصفقات الجانبية.  نظرًا للدوام والهيبة التي تحوم حول هذه المواقع السيادية، هناك حافز لليبيين للقتال للسيطرة على مواقع ادارة هذه المؤسسات.

 ومن المفارقات منذ عام 2014، حيث تم إضعاف قدرات الحكومات المتنافسة على الحكم أو السيطرة على الأراضي بشكل مطرد، فإنها لا تزال تناضل بشدة وتصر على حق إدارة المؤسسات الاقتصادية شبه السيادية في ليبيا رسميًا.  

في الواقع، إن "حقوقهم" القانونية في تعيين مجالس إدارة المؤسسات أو منح الوصول إلى الاجهزة التعاقدية في هذه المؤسسات هي السلطات الحقيقية الوحيدة التي تمتلكها أي من الحكومتين.  

باختصار، في بلد لا تتمتع فيه أي حكومة بسيادة حقيقية، فإن هذه المؤسسات الاقتصادية شبه السيادية هي (في حالات معينة) هي الأجزاء الوحيدة العاملة في "الدولة" الليبية.  إنهم يملكون أكثر من مجرد أموال نقدية - فهم لا يزالون متمتعين بالسلطة والشرعية، حيث لا توجد وزارات حكومية.

 ويترتب على ذلك أنه مع الفشل المتلازم للفوضى العارمة في -ليبيا ما بعد القذافي - في تقديم أي عقد اجتماعي جديد او مشروع للشعب الليبي، ظهر انحراف في العقد الاجتماعي القائم منذ عهد القذافي.  تشعر كل منطقة ليبية، ومحلية، وقبيلة، وتجمع أيديولوجي، وفرد أنه يحق لهم مثل أي شخص آخر الحصول على المال والسلطة المخولة للمؤسسات الليبية شبه السيادية.  الناس لا يهتمون بأن الأسباب المنطقية لتلك المؤسسات لم تعد موجودة، فهم ببساطة يريدون قطعة من الكعكة.  وهم على استعداد للقتال من أجل ذلك.

 

 

The headquarters of the General Electricity Company of Libya in Tripoli, on May 23, 2019. - Libya has faced chronic electricity shortages since 2011, particularly during the cold of winter and the searing heat of summer.

 

 هل المجتمع الدولي سيادي أم سيادي جزئي في ليبيا؟


 لماذا يجب أن يكون للمجتمع الدولي أي دور أو شرعية في إعادة تشكيل الهياكل الاقتصادية الليبية واستكمال مسار الانتفاضات المناهضة للقذافي؟

 أولاً، لأنه منذ عام 2014، أصبح الصراع الليبي نظامًا متغلغلًا حيث يعمل المنطويين تحت الجهات المسلحة وقادة المؤسسات بسبب الدعم أو الشرعية التي تمنحها الجهات الدولية الفاعلة لهم.  

ثانيًا، افترض بحثي التاريخي والقانوني أن المؤسسات الليبية كانت شبه مستقلة في ظل القذافي، وطورت شبه سيادة في الفراغ السياسي في أعقاب الإطاحة بالقذافي، ومن خلال عملية معاهدة الصخيرات، منحها أصحاب المصلحة الدوليون المطالبة بالسيادة الكاملة.  باختصار، فإن "سيادة" مصرف ليبيا المركزي أو مجلس الإسكان والبنية التحتية بقدر ما توجد - تم منحها من قبل الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية وليس من قبل القانون الليبي.  

والسبب في ذلك ذو شقين: أولاً، هذه المؤسسات هي مجرد عبوات قذائف فارغة من فترة القذافي، واستعداد الفاعلين الدوليين لقبولها على أنها شرعية هي التي كرستها في المشهد الليبي، وثانياً، منذ عام 2014، تفتقر ليبيا إلى سيادة السلطة.  وبدلاً من استخدام مركز سلطتها للتراجع عن هذا المستنقع المؤسسي، سعى الكثير من لاعبي السياسة الدولية منذ عام 2014 إلى حماية مكتب التحقيقات المركزي، ومكتب الشؤون القانونية، وديوان المحاسبة، من تأثيرات الحرب الأهلية ومن التدخلات المتشعبة، كما لو كانوا سياديين حقيقيين تماشيا مع تسميتها باتفاقية الصخيرات.  في الواقع، كما بينت في مكان آخر، فقد منحت عملية الوساطة في الأمم المتحدة بشكل علني السيادة للمؤسسات الاقتصادية الليبية للتأكد من أن الأوساط الدبلوماسية والتجارية لديها محاورين للتعامل معهم.

 فيما يتعلق المؤسسة الوطنية للنفطNOC ، فقد يكون ذلك هدفًا نبيلًا وضروريًا لمنع الدمار المالي والضرر الإنساني الكامل ، ولكن في حالة CBL و ODAC و GECOL و HIB وغيرها ، فإن هذه المحاولة جمدت هياكل الاقتصاد الليبي في  مواقفها السابقة دون مساعدة في خلق البيئة السياسية اللازمة لإعطاء هذه المؤسسات وظائف اقتصادية متماسكة.

 وكان من ضمن نتائجها إصلاح شكل من أشكال المركزية المختلة، وبالتالي يؤدي إلى دورات من العنف للسيطرة على طرابلس - حيث يوجد المقر المؤسسي لهذه الهيئات.  بطبيعتها، يجب أن تكون اللامركزية جزءًا من أي عملية إصلاح.

 من خلال ابقاء الوضع كما هو، تعامل المجتمع الدولي مع هذه المؤسسات كما لو كانت تعمل حقًا في بيئة فارغة من الحوكمة والسيادة وبالتالي أصبحت كيانات ذات سيادة كاملة.

  إن الصياغة التي تم اختيارها في نص اتفاقية الصخيرات في 2015 تتوافق فعليًا مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا واللاعبين الدوليين الرئيسيين التاليين.  هذه الصياغة والأعمال السياسية التكميلية تتحدى كل من العقل والحقائق.  لذا، فإن المفتاح لفك العقدة المتشابكة للأزمة الليبية يكمن في الاعتراف بالوضع شبه السيادي للوكالات الاقتصادية للبلاد، وبالتالي مساءلتها أمام الشعب الليبي وتبعيته للمؤسسات والمعاهدات الدولية التي من خلالها اشتقت السيادة الليبية. هذا الإدراك القانوني يمنح الشرعية لأصحاب المصلحة الليبيين الرئيسيين وحلفائهم الدوليين للدعوة إلى إنشاء اللجنة المالية الدولية.

 قد يجادل البعض في أنه يمكن تحقيق ذلك حتى بدون موافقة ليبية شاملة، حيث من المحتمل أن تكون هناك العديد من الشركات القائمة والسلطات القائمة التي تخشى فقدان السيادة التي قد يتسبب فيها أي إصلاح.

 تقول إحدى مدارس الفكر أنه بعد سقوط نظام القذافي وفشل حكومة ذات سيادة غير مؤقتة في الظهور في غضون المهل الزمنية المحددة في 3 أغسطس 2011 الإعلان الدستوري المؤقت والمجتمع الدولي والأمم المتحدة في على وجه الخصوص، أصبحت ملزمة فعليًا بالتصرف كما هو الحال في النظام المحلي للسيادة الليبية الشاغرة (كما فعلوا في الفترة 1947-1951 بعد أن اختارت إيطاليا / اضطرت إلى التنازل عن مطالباتها بالسيادة بعد خسارتها الحرب العالمية الثانية، ولكن قبل تشكيل ليبيا المستقلة ).  

من هذا المنظور القانوني، قد يكون للمجتمع الدولي والأمم المتحدة الحق والواجب في ممارسة سيادتهما وإما تفكيك أو إصلاح حساء الأبجدية للخلل شبه السيادي.  

في نظر معظم الليبيين، فإن المؤسسات التي تم إنشاؤها في فترة القذافي (مثل ODAC ، HIB ، LIA ، GECOL ، LPTIC ، ESDF ، إلخ) هي غير شرعية مثل الاصول المالية التي يبتلعها المقربون من القذافي في الخارج ، غالبًا باستخدام  صلاحيات شبه مستقلة لهذه المؤسسات.  

إذا تم تعليق الاعتراف الدولي بـ GECOL أو CBL أو LIA أو تم تجميد الأصول (كما تم في أوقات مختلفة) ، فسيصبح من ثم معاقبة الشركات متعددة الجنسيات التي تعمل مع هذه الكيانات.  وهذا من شأنه أن يخلق بالضبط الضرورة المطلوبة لأصحاب المصلحة الرئيسيين للدعوة إلى اللجنة المالية  الدولية.

 

 

Libya's General National Congress (GNC) deputy president Saleh al-Makhzoum (2ndR), the new national government head, Prime Minister, Fayez al-Sarraj (C) and the head of the Tobruk-based House of Representatives Mohammed Ali Shoeb (2ndL) celebrate after signing a deal on a unity government on December 17, 2015, in the Moroccan city of Skhirat.

 

ما هي السلطات الدولية التي لديها الشرعية والحياد والخبرة الفنية والدراية للمساعدة في تحفيز ودعم عملية إصلاح اقتصادي بقيادة ليبية؟


 يبرز الجواب إلى التركيز إذا استخدمنا عملية الإزالة.  الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فقط هما المرشحان لدور منظم مؤسسة التمويل الدولية بقيادة ليبيا.  يُنظر إلى الفرنسيين ، والإيطاليين ، والروس ، والسعوديين ، والأردنيين ، والقطريين ، والأتراك ، والإماراتيين ، والمصريين على أنهم متحيزون جدًا تجاه جانب أو آخر.  

بقية القوى الأوروبية والإقليمية ليست ببساطة قوية بما يكفي (لمعاقبة المفسدين وتشجيع الشفافية) أو ليست مهتمة بما يكفي لتكون قادرة على إحداث فرق من تلقاء نفسها ، ولكن يمكنها أن تؤدي دور الذبابة (كما يفعل الألمان)  أو المضيفين (كما فعل المغاربة والتونسيون في الماضي او في المستقبل) ، أو الممولين والمنفذين للمساعدة التقنية والإنسانية المحددة (كما فعل السويسريون والهولنديون والإسكندنافيون على مر السنين).

 لقد كان الخلاف الفرنسي الإيطالي حول ليبيا مفتوحًا منذ فترة طويلة - وقد منع على مدى السنوات القليلة الماضية تشكيل جبهة غربية موحدة تجاه ليبيا.  إن مكوناتها الجيوسياسية معروفة جيداً: يركز الفرنسيون على مكافحة الإرهاب بدلاً من التركيز الإيطالي على وقف الهجرة.  بالنسبة لكل دولة ، أصبحت ليبيا مجرداً أكثر بروزاً في السياسة الداخلية للقادة المحاصرين: الحاجة اللغوية الديغولية لزعيم فرنسي قوي مثل إيمانويل ماكرون "لقيادة الجبهة مع قضايا شمال إفريقيا" ، في حين يحتاج رئيس الوزراء الشعبوي الإيطالي  ، جوزيبي كونتي ، يحتاج أيضًا إلى إظهار نهج مشدد تجاه الهجرة.

 إن الدوافع الاقتصادية لهذا التنافس أقل مناقشة في العلن.  وزادت شركات النفط الكبرى لكلا الجانبين (ايطاليا و فرنسا)  من ممتلكاتها في ليبيا على مدى السنوات الثلاث الماضية ولا تزال هي الشركات الغربية الكبرى الوحيدة الراغبة في ضخ استثمارات رأسمالية كبيرة في ليبيا.  

ترغب فرنسا في أن تصبح القوة الاقتصادية العظمى لمنطقة البحر الأبيض المتوسط بأسرها ، وتريد إيطاليا تجنب خسارة السوق الأجنبية الوحيدة التي تحتفظ فيها شركاتها بحضور قوي.  

على الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا يزيد بنسبة 25 في المائة فقط عن الناتج المحلي لإيطاليا ، إلا أن نفوذها الجيوسياسي في قضايا السياسة الخارجية أكبر بكثير من ايطاليا.  هذا الاختلال يغذي العداء.  بما أن هذا العداء من المرجح أن يتصاعد ، فإن محاولات إصلاح الاقتصاد الليبي لا يمكن أن تصبح أسيرة لمنطق القوى الأجنبية المتناحرة ، ولا يمكن ربطها في العقل الليبي بهذا النوع من منطق السياسة الاستعمارية المدرسية القديمة.  يجب تضمين فرنسا وإيطاليا في أي عملية تتم من قبل الجنة المالية الدولية  ، ولكن يجب أن يكونا مؤيدين خارجيين بدلاً من مشاركين نشطين.

 منذ عام 2011 ، أثبتت الولايات المتحدة نفسها باعتبارها الجهة المنظمة لسلسلة من الاجتماعات التي تعقد أحيانًا في مكان محايد تسمى "الحوار الاقتصادي الليبي".  تجمع هذه الاجتماعات بين المسؤولين الاقتصاديين الليبيين الرئيسيين (مثل الرؤساء المتنافسين للمؤسسات شبه السيادية وكذلك السياسيين والوزراء المعنيين).  كانت هذه العملية هي الدافع الخارجي الوحيد المترابط للتوحيد والإصلاح المؤسسي ، وكان التقدم طفيفًا.  كما جاء في المقدمة ، استثمرت الأمم المتحدة والقوى العظمى في الغالب جهودهم في قضايا مكافحة الإرهاب والوساطة السياسية والهجرة.

 في اجتماع الحوار الاقتصادي الثامن في 5 يونيو 2018 ، تم الاعلان عن خطط لخفض دعم الوقود وتنفيذ تخفيض قيمة الدينار بشكل غير مباشر عن طريق الضرائب على خطابات الاعتماد.  أدت الضريبة التي تلت ذلك على معاملات العملات الأجنبية إلى بعض النجاحات المتواضعة عندما تم تنفيذها لأول مرة في خريف عام 2018 من خلال تضييق الفجوة بين السوق السوداء وأسعار الصرف الرسمية للدينار الليبي.

 لكن التنفيذ تعطل في نوفمبر 2018 حيث أدى تراكم البضائع في  المنافذ الجمركية في العديد من الموانئ إلى توقفات في مدينة الخمس على وجه الخصوص والإعلان عن فترة سماح لتطبيق الضريبة على الاعتمادات حتى عام 2019.

 في عام 2019 ، فرضت رسوم إضافية على خطابات الاعتماد (التي تعمل كضريبة للصرف الاجنبي) في الحفاظ على الدينار قويًا وإفساد السوق السوداء ، لكن تلك النجاحات قللت من قوة إرادة حزب الوضع الراهن (الشخصيات السياسية الرئيسية في حكومة الوفاق الوطني مع حاكم مصرف ليبيا المركزي) لإجراء الإصلاحات الهيكلية الرئيسية الملحة حقا.  لقد هزم حزب الوضع الراهن عملية الحوار الاقتصادي من خلال القيام بما يكفي فقط لتجنب الضغط الأمريكي أو المحلي الكافي لإزالتها.

 باختصار ، أثبتت عملية الحوار الاقتصادي أنها غير قادرة على تعزيز الإرادة السياسية بين الليبيين لإصلاحات الجذر والفروع أو تزويد الليبيين بالخبرة الفنية / الاقتصادية اللازمة لتنفيذ تغييرات الصورة الكبيرة.  بطريقة ما ، كانت عملية الحوار الاقتصادي بمثابة ورقة تين تغطي على إصرار حزب الوضع الراهن على إحباط الإصلاح.

 

 

A view of the U.S. Capitol building in Washington, D.C. November 19, 2019.

 

الجزء الثالث: التوقيت والنفوذ وتجنب العثرات


 الآن هو الوقت المناسب للقيادة الأنجلو أمريكية

 يحتاج إطار الحوار الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة إلى البناء والتحويل.  

مختلف التعيينات والترقيات الأخيرة داخل الحكومة الأمريكية خلال 2019 (خاصة تعيين الحزبين للسفير السابق في جمهورية جورجيا ، ريتشارد نورلاند ، كأول سفير للولايات المتحدة في ليبيا يتم تأكيده خلال إدارة ترامب وكذلك ليبيا منذ فترة طويلة تسليم ناتالي  بيكر بصفته نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون المغاربية ولورين بار كمدير لشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي) ، كما أن تشريع الكونغرس بين الحزبين المعلق تحت عنوان قانون الاستقرار الليبي لعام 2019 39 يجعل من الممكن أخيرًا تخصيص المزيد من الامكانيات  السياسية الأمريكية من أجل  عملية مشاركة موسعة في ليبيا.  

بمجرد إقراره (قانون الاستقرار الليبي) ، لا يكتفي تشريع الكونجرس بمجموعة واسعة من العقوبات فحسب ، بل يجعل من الممكن إعادة النظر في مسألة المبعوث الخاص الرئاسي (بدلاً من وزارة الخارجية) - وهو تعيين من شأنه أن يعزز تنسيق العملية المشتركة بين الوكالات  وزارات الخزانة والتجارة والطاقة والدولة التي ستكون حاسمة بالنسبة للقيادة الأمريكية المتماسكة لعملية اللجنة المالية الدولية  على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي ، يعني فوز بوريس جونسون المدوي في الانتخابات البرلمانية في 12 ديسمبر 2019 أن بريطانيا ستتمكن أخيرًا من استثمار رأس المال السياسي في مسائل أخرى غير Brexit.  

أبدى جونسون اهتماما كبيرا بليبيا كوزير للخارجية.  خلال فترة ولايته ، زار طرابلس في مايو ومرة ​​أخرى في أغسطس 2017 بالإضافة إلى طبرق ومصراتة وبنغازي .وهذا يعني أنه بخلاف الإيطاليين أو المالطيين ، كان أكثر شخصياً يشارك في وزراء الخارجية الغربيين خلال تلك الفترة  .

 يمكن أن تؤدي مصلحة جونسون الشخصية المستمرة ومشاركته ومعرفته الحميمة باللاعبين الرئيسيين في النزاع إلى إعادة مشاركة بريطانية جريئة بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من السكون في ملف ليبيا.  

هناك أيضًا حقيقة أن تلك الفترة من السكون تزامنت مع الفترة التي سبقت الجولة الحالية من الحرب الأهلية ، مما يعني أن بريطانيا ظلت محايدة نسبيًا ، على عكس الدول غير الأنجلوسكسونية .

هذا التصور للحياد نسبيًا إلى جانب دور الإمساك بالقلم المستمر في الأمم المتحدة ، مهم أيضًا لبدء عملية اللجنة المالية الدولية المقترحة أو للبناء على عملية برلين في أي اتجاه آخر.  ومن الجدير بالذكر أيضًا من وجهة نظر الموظفين ، مارتن رينولدز ، سفير بريطانيا في ليبيا لفترة وجيزة في ربيع عام 2019 ، كان سابقًا سكرتيرًا شخصيًا خاصًا لجونسون عندما كان وزيراً للخارجية.  الآن يبدو أن رينولدز مستمر  في العمل في منصب يعادل مستشار الأمن القومي في داونينج ستريت.  

إن خبرة رينولد وإمكانية وصوله إلى مجلس الوزراء تضعه في وضع مثالي لتعزيز الإرادة السياسية من حين لآخر والقيام بتنسيق بين الوكالات على الجانب البريطاني لعملية تنفيذ اللجنة المالية الدولية. 

 من خلال العمل معًا والاستفادة من هذه القدرات المتزايدة ، يمكن للولايات المتحدة والمملكة المتحدة جعل الكرة تدور بمقترحات مختلفة في مؤتمر برلين ، ثم دعم المحاورين الليبيين الرئيسيين ، وتثبيت أقدام اللاعبين الرئيسيين ، والشروع في عملية اللجنة المالية الدولية.  في الأمم المتحدة من خلال  موقف بريطانيا القيادي .

يجب أن تركز الخطابات والإجراءات في المرحلة المبكرة على زيادة الشفافية وتسهيل عملية المشاركة التي تقودها ليبيا.  الخبرة البريطانية في البنوك المركزية وحقيقة أن العديد من المؤسسات المالية الليبية (LIA ، بنك ABC) لديها مكاتب وصناديق في لندن تمنح المملكة المتحدة نفوذًا فريدًا وغير مستخدم حتى الآن.  من خلال العمل مع الولايات المتحدة ، التي تسيطر على نظام سويفت ، وكانت ناشطة بشأن العقوبات في مناطق النزاع الأخرى على مدى السنوات القليلة الماضية ، يمكن دعوة القوتين من قبل أصحاب المصلحة الليبيين الرئيسيين لإنشاء اللجنة المالية الدولية.  حول ليبيا والرئاسة المشتركة لها.

 يجب أن تكون عملية تكوين وتنفيذ اللجنة المالية الدولية.  منفصلة تمامًا عن عمليات الوساطة السياسية الألمانية والفرنسية والإيطالية والأمم المتحدة المستمرة تجاه ليبيا.  

وبدلاً من إنشاء مبادرة دولية منافسة جديدة ، فإن هذه الخطوة ستوضح المسارات الأربعة المختلفة اللازمة لمعالجة الأزمة المتشابكة في ليبيا.  في الواقع ، سيخلق نظامًا متماسكًا حيث يمكن أن تقود كل واحدة من هذه المسارات واحدة أو اثنتين من القوى الغربية الأربع الكبرى المشاركة في ليبيا: مؤسسة التمويل الدولية الكبرى بقيادة بريطانيا وأمريكا ، ومسار الهجرة / الهجرة من إيطاليا والاتحاد الأوروبي  ، والمسار السياسي / الانتخابي من قبل الأمم المتحدة وفرنسا ، ومسار مكافحة الإرهاب من قبل أمريكا وفرنسا.  وستستكمل ذلك الأمم المتحدة ، التي ستكون وحدها المسؤولة عن إعادة تشغيل المؤتمر الوطني والمسارات الدستورية وإشراك الشعب الليبي في مختلف الجهود لمساعدتهم.  لتحقيق القبول من الأطراف غير الغربية القوية التي لها مصالح في ليبيا (وخاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا وروسيا ومصر والجزائر وتونس) ، يجب أن يكونوا حاضرين على الطاولة ويتم منحهم وظائف ثانوية مهمة  في كل من المسارات التي تؤثر على مصالحهم ، في حين ينبغي تقديم اختيار القيادة الغربية كآلية لعزل العملية من المنافسات الإقليمية مع تحقيق أقصى قدر من النفوذ والخبرة التقنية.  

يمكن للمرء أن يتصور أن مصر والجزائر تلعبان دورًا رئيسيًا في مسار مكافحة الإرهاب ، في حين أن تونس ستكون ضرورية في مسار الهجرة / الهجرة ، وسيكون لروسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة مقعدًا خاصًا على الطاولة في المسار الاقتصادي.

 من بين كل هذه المسارات ، يجب أن يكون المسار الاقتصادي له الأسبقية وأن يحرك نهجًا جديدًا تجاه المسارات الأخرى.  

الاختلال الاقتصادي والتهريب والفساد هي الأسباب الجذرية الحقيقية لمشاكل ليبيا ؛  الهجرة ، والجمود السياسي ، وانتشار الجهادية ليست سوى أعراض.  وبالتالي ، فإن الشروع في إصلاحات اقتصادية أهم بكثير من الانتخابات أو وقف إطلاق النار أو الصفقات السياسية رفيعة المستوى ، حيث أن اقتصاديات البلد هي التي تؤدي إلى تهريب الوقود والاتجار بالبشر ونوع الفساد الذي يسمح لهيمنة الميليشيات  ويؤجج الحرب الأهلية .

بالطبع ، يخشى الإصلاحيون الليبيون المتشوقون أنهم قد يواجهون رد فعل سلبي من المليشيات التي ستتضرر مصالحها من مثل هذه الإصلاحات.  وبالتالي ، سيتعين إدراج هؤلاء القادة منذ البداية.  إدراكًا أنه لن يكون هناك المزيد من المساعدة العسكرية الخارجية قريبًا ومعرفة من التجربة أنه لا يمكنهم غزو البلاد بأكملها بدون هذه المساعدات ، سيكون قادة الميليشيات تحت ضغط متزايد لتوفير فرص اقتصادية محلية لاتباعهم.  

لا يمكن بناء مثل هذا التوظيف والنمو الاقتصادي إلا على الاستقرار طالما أن ثروات ليبيا تعتمد على المؤسسات المالية الدولية.  سيحتاج المصلحون الليبيون الشجعان وقادة المنظمات غير الحكومية وشخصيات المجتمع المدني إلى الدعم والتشجيع.  من الأفضل تقديم مثل هذا الدعم والضغط بشكل متعدد الأطراف ويتم تطبيقه عن بعد عبر هيئة محايدة مثل لجنة دولية ، بدلاً من لجنة  ثنائيًة ، والتي قد تميل إلى تأجيج الحرب الأهلية الحالية.

 

 

Turkish members of parliament vote to send Turkish troops to Libya, in Ankara, on January 02, 2020.

 

 النفوذ  وكيفية انتشاره


 المحاولات الدولية السابقة للمساعدة في إعادة بناء ليبيا بعد الانتفاضات (2012-2013) ، لتجنب الحرب الأهلية وانقسام مؤسسات المقاطعة (2014) ، ولإعادة توحيد تلك المؤسسات وخلق مسار للانتخابات (2015-18) ، و  لقد فشل وقف الهجوم على طرابلس (2019) لأن المجتمع الدولي لم يستخدم النفوذ أو النية الحسنة التي يمتلكها بشكل فعال.  اعتمدت الأمم المتحدة ومعظم الدول الغربية على النشرات الصحفية والجزر الدبلوماسية ، في حين أن القوى الإقليمية ، التي تدعم المفسدين ، نشرت قوة قاسية في شكل أسلحة ومرتزقة وأموال.  وقد تفاقم هذا الاتجاه في المعركة الحالية من أجل طرابلس.

يجب على الدول الغربية في النهاية أن تهدد باستخدام قبضتها الخانقة على المؤسسات والمعاملات الاقتصادية الدولية لإجبار الليبيين على الجلوس ومعاقبة الجهات الخارجية التي تقدم حوافز ضارة لقادة الميليشيات.  أسهل وسيلة ضغط غربي لنشرها هي على "الحلفاء" الغربيين مثل الإمارات العربية المتحدة أو تركيا.  الغرض الصريح من مؤتمر برلين هو اقتراح عقوبات ملموسة لتلك الدول التي تنتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة من خلال تزويد الطائرات بدون طيار والمرتزقة.  بمجرد أن تفقد الفصائل المسلحة الليبية أهم دعم أجنبي لها ، فمن المرجح أن يطرأ مأزق متبادل.

 في الوقت نفسه ، يجب تطبيق التسمية الحقيقية ، والتشهير ، ومعاقبة المفسدين بشكل متعدد وشامل على جميع الجوانب.  يجب ألا يكون هناك اختيار المفضلة.  توفر التقارير الأخيرة للجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة وتشريع الكونغرس الأمريكي المعلومات والأسنان للقيام بذلك.  يُنظر إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على الأرض على أنها جهات محايدة نسبيًا ، حتى لو لم تكن الأمم المتحدة كذلك.  مع وجود هذه العصي في مكانها ، حتى التكنوقراط الليبيون المتشددون سابقًا قد يبدون تواقًين تمامًا للمشاركة في مؤسسة التمويل الدولية.  وبمجرد أن يعبروا عن تلك الرغبة ، يحتاجون إلى الحماية.  

من المرجح أن يحاول المفسدون الذين يستفيدون من اقتصاد الوضع الراهن حربًا لخطف العملية.  لن يتمكنوا من القيام بذلك إذا تمت معاقبة الدعم الأجنبي لمثل هؤلاء المفسدين بشدة وحاصرهم وتم منح قادة الميليشيات الرئيسيين المشاركين في الاقتصاد الليبي والمستعدين للمشاركة مقعدًا حقيقيًا على الطاولة ، بدلاً من معاملتهم كأفيال في الغرفة ،  كما هو الحال في عمليات التفاوض السابقة.

 

 

Fighters loyal to the Libyan internationally-recognised Government of National Accord (GNA) fire a heavy machine gun during clashes against forces loyal to strongman Khalifa Haftar, on May 21, 2019 in the Salah al-Din area south of the Libyan capital Tripoli.

 

 خاتمة: تجنب الفشل التام "للنفط مقابل الغذاء" من خلال عملية حقيقية بقيادة ليبية


 مالياً ودبلوماسياً ، تعد الحرب الأهلية في ليبيا من بين أكثر الصراعات تعقيدًا وعولمة في القرن الحادي والعشرين.  على هذا النحو ، يجب أن تأتي السياسة الدولية أخيراً لتعكس حقيقة أن الشيطان يكمن في التفاصيل.  لا يمكن لأحد الفاعل أن يسيطر على البلاد.  لا يمكن لحدث عسكري أو سياسي واحد أن يقطع عقدة الفساد والحوافز السيئة.  ولهذا السبب ، يجب دراسة الظروف التي تسمح باستمرار هذه الفوضى بشكل متعمق وغير متشابك شيئًا فشيئًا - من خلال تشخيص عوامل الصراع ونقاط الاختناق للتقدم ثم التخلص منها بشكل منهجي.  أسهل الدوافع التي يمكن القضاء عليها هي الإعانات ، ومعدل الدينار ، والقدرة الحصرية للاعبين الاقتصاديين الراسخين الذين يسمحون باستمرار المستنقع الحالي.  ستحتاج إلى التعامل معها.  يمكن لعملية مؤسسة التمويل الدولية أن تحقق الدرجة المطلوبة من الخصوصية والبحث والتنفيذ وتجميع الإرادة السياسية.

 يجب على بريطانيا وأمريكا قيادة الجهود (منح الموظفين ، وميزانيات التشغيل للموظفين الدوليين ، والإرادة التنفيذية الثمينة) لإنشاء اللجنة المالية الدولية ، لحماية أصحاب المصلحة الليبيين الشجعان الحريصين على العمل مع اللجنة المالية الدولية من عنف الميليشيات ، ودفع المجتمع الدولي الليبيون لإصلاح هياكل الاقتصاد الكلي للبلاد.  

لن يكون النهج الموضح في هذه الورقة سهلاً وسيواجه صعوبات في التنفيذ والإدراك والتقبل المحلي والإرادة السياسية للاعبين الدوليين الرئيسيين.  ومع ذلك ، كما أوضحت مقابلات المؤلف ، فهو النموذج الوحيد الذي يعتقد أصحاب المصلحة الليبيون وكبار الدبلوماسيين الغربيين المتقاعدين أن لديه أي فرصة للنجاح.  

يمكن تأطيرها على أنها نهج دولي توافقي للتعامل مع الحرب الأهلية الجارية في ليبيا مستمدة من القادة السياسيين الليبيين ورؤساء المؤسسات شبه السيادية ، الذين سيطلبونها ويسهلون المشاركة والشفافية.

 لكي تعمل اللجنة المالية الدولية ، يجب استخلاص الدروس من كارثة "النفط مقابل الغذاء" في العراق ، التي أوقعت جيلاً من دبلوماسيي الأمم المتحدة والدول الخمس.  الدرس الرئيسي الذي يجب تطبيقه على ليبيا - كما أخبر المؤلف من قبل المشاركين الدبلوماسيين المتقاعدين - هو التركيز على الشفافية (في كل من التدفقات المالية ومعايير القرار) في حين أن تطلب المؤسسات وأصحاب المصلحة الليبيون من اللجنة المالية الدولية  بدلاً من وجود الأمم المتحدة.  لحسن الحظ ، كثيرًا ما يطلب كبار المسؤولين السياسيين والاقتصاديين الليبيين زيادة المشاركة الأمريكية والبريطانية في بلادهم ، وذكروا في لندن وواشنطن أنهم على استعداد لطلب المزيد من المشاركة علنًا.  

علاوة على ذلك ، بالنسبة للعراق في التسعينيات ، فإن تكنولوجيا المعلومات الحالية وانتشارها الواسع في ليبيا يعني أن الشفافية أصبحت الآن أسهل مما كانت عليه في وقت "النفط مقابل الغذاء".  واليوم ، من الممكن الانخراط في الدبلوماسية مباشرة مع الشعب الليبي من خلال نشر أعمال اللجنة في الوقت الفعلي على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وجعل إصلاح الاقتصاد الليبي مشروعًا جماعيًا لبناء الأمة.

 ليبيا مليئة بالفرص الاقتصادية.  في الوقت الحاضر يتم استخدام هذه الأصول الاقتصادية والاحتياجات الاقتصادية للشعب الليبي لتمكين الفساد.  يمكن تحويل هذه الأصول والاحتياجات إلىفرص أكبر للإفراج عن القدرة الإنتاجية للشعب الليبي وربط ليبيا بالقطاع الخاص الغربي لنقل المهارات.  لا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا أنشأت لجنة محايدة للرعاية التكنوقراطية مؤسسات جديدةووافقت على قواعد اللعبة الاقتصادية قبل الاستيلاء المجاني على السلطة في الانتخابات أو التنافس على منصب في حكومة معينة بعد الحرب الأهلية.