Photo by DELIL SOULEIMAN/AFP via Getty Images

Read in English

 

في أواخر شهر نيسان إبريل الماضي، شهد حي طي الواقع جنوبي مدينة القامشلي في محافظة الحسكة السورية، اشتباكات عنيفة بين قوات "الدفاع الوطني" التابعة للنظام السوري وقوات "الأسايش" التابعة للإدارة الذاتية "الكردية"، هذه الاشتباكات انتهت باتفاق تم بين الطرفين برعاية روسية.

اتفاق وقف إطلاق النار بين النظام السوري والإدارة الذاتية نص على عدة نقاط، أولها انسحاب كامل عناصر "الدفاع الوطني" من حي طي وإبقاء مربع أمني بيد النظام السوري داخله، يمتد هذا المربع الأمني من الجهة الجنوبية للحي بالقرب من مدرسة عباس علاوي وحتى سكة القطار نهاية الحي.

النقطة الثانية من الاتفاق كانت، انتشار الشرطة المحلية التابعة للنظام داخل الحي، لكن هذا البند لم يطبق حتى الآن، بالرغم من إرسال النظام السوري 200 عنصر من الشرطة إلى الحي بعد أيام من الاتفاق، لكن الإدارة الذاتية لم تسمح بدخولهم إلى الحي لاستلام مهامهم بناء على نص الاتفاق.

بداية التوتر

يعود سبب التوتر بين قوات "الدفاع الوطني" وعناصر "الأسايش"، إلى قيام عناصر من الأخير "قوى الأمن الداخلي للإدارة الذاتية" بتوقيف المدعو عبد الفتاح الليلو، وهو قيادي في الدفاع الوطني ويرأس مقر خاص معروف باسم مقر الليلو داخل حي طي، وذلك عند دوار الوحدة مدخل حي طي الشمالي الذي تسيطر عليه قوات الإدارة الذاتية، نتيجة ذلك التوقيف حدثت مشاحنات بين الطرفين.

بعد إطلاق سراح عبد الفتاح الليلو من قبل "الأسايش" ووصوله الى حي طي، قام عناصر "الدفاع الوطني" بإطلاق النار باتجاه دوار الوحدة الذي تسيطر عليه "الأسايش"، ما أدى الى مقتل خالد حاجي مسؤول أمن الحواجز لدى "الأسايش" ليتطور الأمر بعد ذلك وتندلع الاشتباكات بين الطرفين.

بعد مقتل خالد حاجي وبدء الاشتباكات، استقدمت الإدارة الذاتية تعزيزات عسكرية كبيرة وطوقت حي طي من جهات الشرق والشمال والغرب واحتل قناصوها أسطح البنايات بين دواري السلام والوحدة المطلة على حي طي، في اليوم الأول للهجوم لم يحدث أي تقدم للقوات العسكرية التابعة للإدارة الذاتية واستطاع عناصر" الدفاع الوطني" الصمود أمام الهجمات.

 في اليوم الثاني لاشتباكات دخلت تشكيلات جديدة إلى جانب "الأسايش" هي "قوات مكافحة الارهاب"(HAT)، وهي قوات خاصة مدربة تدريب عالي جداً من قبل القوات الامريكية، ومزودين بأسلحة رشاشة حديثة، وقناصين ومناظير رؤية ليلية، وسيارات دفعت رباعي ومدرعات، يمكن القول إنهم القوة الأساسية التي قامت باقتحام حي طي بعد ذلك، كما شاركت مجموعات من وحدات حماية المرأة وقوات سورية الديمقراطية في تلك المعركة.

بتاريخ 26 نيسان تمكنت القوات العسكرية التابعة للإدارة الذاتية من السيطرة على حي طي، بعد السيطرة على مقرات الدفاع الوطني المتواجدة داخل الحي وهي ثلاثة مقرات رئيسية، المقر الأول مقر الليلو والمقر الثاني مقر سالم الهلوش والمقر الثالث مقر محمود النهير، لتنهي بذلك وجود "الدفاع الوطني" في أهم معاقله بمدينة القامشلي.

إيران تخسر أولى معاركها وتحاول إطلاق مقاومة عشائرية ضد واشنطن

تعتبر مليشيا "الدفاع الوطني" في محافظة الحسكة، أضعف التشكيلات العسكرية والأقل تسليحاً وتمويلاً، فمنذ منتصف عام 2020 وحتى مطلع عام 2021، لم يصرف النظام السوري رواتب عناصر تلك القوات والتي لا تتجاوز 20 دولار شهرياً، ما اعتبره قادة تلك المليشيات تخلي النظام عنهم.

توقف الدعم المادي عن "الدفاع الوطني"، دفعهم للاعتماد على احتكار بيع الخبز وبيع الغاز بالسوق السوداء وبيع المسروقات كتمويل بديل لهم عن الرواتب، وايضاً الاستفادة من فرض اسماء معينة على بعض الجمعيات الخيرية واخذ بدل عنها سلال غذائية وحصص مساعدات، وأحياناً يقومون ببيع محتويات هذه السلال من رز وبرغل وزيوت من خلال التعامل مع محال تجارية في مدينة القامشلي خاصة حي طي.

في آذار 2021بدأت إيران العمل على كسب ولاء مليشيات "الدفاع الوطني" خاصة تلك المتواجدة في حي طي بمدينة القامشلي ومحافظة الحسكة، عبر عرض تمويل تلك المليشيات وإعادة ترتيب صفوفها ودعمها مادياً وعسكرياً، لتكون قوة قادرة على حماية مناطق نفوذها وتعمل على تنفيذ السياسات الإيرانية في المحافظة.

بعد موافقة قادة "الدفاع الوطني" على العرض الإيراني، أرسلت إيران عناصر عسكرية مشرفة على عملية إعادة الهيكلية والتدريب، تولت تلك العناصر ترتيب مجموعات "الدفاع الوطني" تحت مسمى جديد أطلقته وهو "قوات المهام"، كما أدخلت في تلك القوات مليشيا تسمى "أنصار الأمن العسكري"، تلك المليشيا مشكلة من بعض العناصر العشائرية المتطوعة.

هدف إيران من دعم "الدفاع الوطني" كان البحث عن موطئ قدم لها في محافظة الحسكة، وهذه ليست المحاولة الأولى لها، بل سبق أن حاولت تجنيد أبناء العشائر في محافظة الحسكة ونقلهم للقتال في صفوف ميليشياتها المنتشرة في المحافظات السورية، خاصة أبناء عشيرة الشرابيين وقبيلة البكارة، والتي تحاول إيران اللعب على انحدار تلك العشيرة من آل بيت النبي محمد حسب المرويات الشعبية لكسب ولائها.

خلال فترة الاشتباكات بين قوات الأسايش وقوات "الدفاع الوطني" حليف إيران الجديد، لم تقم إيران بأي مساعي لدعم حليفها في مواجهته العسكرية لا على المستوى المادي ولا العسكري، بل تركته يقاتل وحيداً حتى النهاية، ما دفع قادة الدفاع لاتهام إيران بالخيانة، لتكون حادثة حي طي أول معركة يخسرها الإيرانيون في الحسكة، فيما مازالت تحافظ على علاقة طيبة بتشكيلات الدفاع الوطني في ريف القامشلي الجنوبي محاولة استمالة وجهاء وتحريضهم لتنظيم مقاومة عشائرية ضد القوات الأميركية في المنطقة.

لم تكن إيران الوحيدة التي تخلت عن "الدفاع الوطني" خلال مواجهات حي طي، النظام السوري أيضاً لم يتحرك لمساندة تلك المليشيات بالرغم من وجود قوات عسكرية كبيرة له في محافظة الحسكة، امتناع تحرك النظام كان نتيجة ضغط روسي رافض لتدخله في المعركة، هدف روسيا من ترك الدفاع الوطني وحيداً بدون عمليات إسناد يعود لرغبة روسيا في إضعاف النفوذ الإيراني الناشئ في المحافظة وهذا ما حدث.

توزع السيطرة في الحسكة

فرضت المعركة الأخيرة بين الدفاع الوطني وقوات الأسايش حدود جديدة للسيطرة بين الأطراف المتصارعة، حيث عززت الإدارة الذاتية من نفوذها داخل مدينة القامشلي على حساب النظام، بينما خسر النظام جزء من مربعه الأمني والذي كان يشكل حي طي جزءاً منه، وحافظ النظام على وجوده في المربع الأمني في مدينة الحسكة لتصبح حدود السيطرة على الشكل التالي.

تنقسم مناطق سيطرة النظام السوري داخل مدينة القامشلي إلى أربعة أجزاء، الأول شمال المدينة يضم المعبر الحدودي مع تركيا، والمربع الأمني ومقرات حزب البعث، والثاني يضم المربع الحكومي غرب حي الوسطى ويشمل عدة دوائر خدمية إضافة لمديرية المنطقة والقصر العدلي، والثالث يضم المشفى الوطني والنادي الزراعي ومحيط مطار القامشلي الذي يتحكم به الروس، أما الرابع شرق المدينة مفرزة عسكرية والمخفر الشرقي.

أما جنوب القامشلي يسيطر النظام على حي زنود مرورا بمقر الفوج 54 قوات خاصة وصولا لطريق M4 وجنوب الطريق يسيطر النظام على أكثر من 20 قرية ومزرعة تمتد على مساحة 20كم جنوب المدينة وبعرض 10 كم ، ينتشر فيها تشكيلات الدفاع الوطني وبعض حواجز الجيش النظامي والمفارز الأمنية.

الإدارة الذاتية: تسيطر على جميع محافظة الحسكة باستثناء المناطق المتواجد داخلها النظام والروس ومدينة رأس العين وجزء من ريفها والتي تسيطر عليها الفصائل المدعومة من تركيا، ومؤخراً نجحت في السيطرة على حي طي في مدينة القامشلي.

 

Photo by DELIL SOULEIMAN/AFP via Getty Images