الشرق الأوسط، مثل أجزاء أخرى من العالم، مشغول بالأحداث الدرامية التي تتطور في الولايات المتحدة. إن الظروف التي تجري فيها الانتخابات والطعن فيها - إذا حدث - والنتيجة - ومتى تتقرر - سيكون لها عواقب متعددة المستويات على المنطقة.

على المستوى الكلي، وضعت هذه الانتخابات مسار الولايات المتحدة ودورها التاريخي كحاملة لشعلة الديمقراطية الليبرالية في أزمة. دونالد ترامب حكم أمريكا كسلطوي وشعبوي، ودأب على تشويه سمعة المؤسسات التي تدعم المجتمع المدني التعددي وسيادة القانون، ومؤسسات الديمقراطية. لقد رفض الالتزام بالتداول السلمي للسلطة، وأخبر أتباعه أنه إذا خسر الانتخابات، فذلك لأن الانتخابات ستكون مزورة ويجب الطعن فيها أو نقضها.

خلال ما تعرضت له من تقلبات صعودًا وهبوطًا على مدار القرن الماضي، ظلت الولايات المتحدة بشكل مطرد مثالًا للبديل الديمقراطي. ساعد هذا النموذج الديمقراطي، ونماذج أخرى في أوروبا، على تحريك الجماعات والحركات في الشرق الأوسط من القرن التاسع عشر وحتى الانتفاضات الأخيرة في السودان ودول عربية أخرى. إذا ما تعرضت التجربة الديمقراطية للرفض في أحد أوطانها الرئيسية، فمن المؤكد أن ذلك سيجلب السلوى لكل من المستبدين والإسلاميين في الشرق الأوسط، والمزيد من اليأس لأولئك الذين يناضلون من أجل مستقبل أكثر ليبرالية وديمقراطية. قد يثلج ذلك صدور الإسلاميين، على وجه الخصوص، لأن ترامب وأتباعه شددوا على الهوية الثقافية والدين وأمجاد الماضي والشعور الجمعي كأساس للعمل السياسي - وهو منهج يتماشى مع كيفية جذب الإسلاميين لجمهورهم.

على المستوى العملي، ستكون هناك تداعيات سياسية تتعلق بالشرق الأوسط مُعلقة على نتيجة الانتخابات. لو فاز جو بايدن بشكل واضح وحدث انتقال سلس للسلطة في يناير 2021، يمكن للمرء أن يتوقع تغيير بعض الأمور واستمرارية بعضها. من المهم أن تضع في اعتبارك أن بايدن كان في البيت الأبيض منذ أربع سنوات فقط، وأن معظم فريق السياسة الخارجية التابع له سوف يبدأ من حيث توقف أوباما في يناير 2017. من المرجح أن يأتي الاختلاف الأكبر عن ترامب في السياسة الإيرانية، حيث ستسعى إدارة بايدن إلى العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، وإن كان ذلك أثناء محاولتها تعزيز بعض بنودها الرئيسية ومحاولة إجراء مفاوضات جديدة بشأن أنظمة الصواريخ الإيرانية وعمليات الانتشار العسكري الإقليمية. سيكون بايدن صارمًا مع إيران أثناء الانخراط في الدبلوماسية؛ ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى "تعايش" فعلي مع إيران في المنطقة، كما اقترح أوباما في وقت متأخر من ولايته. فيما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، ستتخلى إدارة بايدن عن صفقة القرن المزعومة لترامب، لكنها ستواجه حكومة إسرائيلية أكثر جرأة وسلطة فلسطينية أكثر عزلة. إقليميًا، رحب بايدن باتفاقيات التطبيع بين عدة دول عربية وإسرائيل وسيبني على هذا الزخم. أحد العوامل الإيجابية الرئيسية هو أن بايدن سيعزز دور الدبلوماسية في إدارته، وقد يؤدي ذلك إلى جهود أكثر فاعلية لإنهاء الحروب الأهلية في اليمن وليبيا.

فوز ترامب سيقود إلى استمرار وتكثيف سياسات ولايته الأولى. وسيشمل ذلك استمرار الاصطفاف القوي مع حلفاء الخليج وإسرائيل، واستمرار الضغط الأقصى على إيران. قال ترامب إنه يتوقع أن تلجأ إيران إلى طاولة المفاوضات إذا فاز بولاية ثانية، لكن من المرجح أن إيران ستنكفأ على ذاتها أو تراوغ لتتغلب على السنوات الأربع التالية، بدلاً من التفاوض. كما أنه سيكون من الصعب التكهن بما إذا كان ترامب سيبقي على أية قوات أمريكية في سوريا أو العراق أو أفغانستان طوال فترة ولايته الثانية.

السيناريو الثالث، بالإضافة إلى حدوث فوز واضح لبايدن أو ترامب، هو أن تصير نتائج الانتخابات موضع تشكيك من قبل الرئيس ترامب، وأن تدخل البلاد في فترة من الطعن، وأعمال الشغب، واندلاع الصراع المسلح – والتي ستكون على عكس انتخابات عام 2000 – لا يتم حسمها بسلاسة وبشكل متحضر في ديسمبر، وأن يستمر هذا الوضع حتى عام 2021 وربما بعد ذلك. 

العديد من الدول شهدت انهيار مؤسساتها الديمقراطية، والولايات المتحدة لن تكون الأولى. في مثل هذا السيناريو، ستكون سياسة الولايات المتحدة وقوتها مشلولة فعليًا في الشرق الأوسط - وفي أماكن أخرى - تاركة القوى الإقليمية تدافع عن نفسها، ومعطية ميزة كبيرة للقوى العالمية الأخرى مثل روسيا والصين.


The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.