ركز نهج إدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط في عامها الأول في الغالب على الحد من مقدار الوقت والاهتمام الذي يتم تخصيصه للمنطقة ضمن أجندتها الأوسع. وصف بريت ماكغورك، كبير مسؤولي سياسات الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، نهج الإدارة الأمريكية الجديدة بأنه بمثابة "العودة إلى الأساسيات": تعزيز الشراكات في المنطقة، ومساعدة الشركاء في الدفاع عن أنفسهم، ولكن تجنب المبالغة في الوعود بالطريقة التي اتبعتها الولايات المتحدة في الماضي، ولا سيما خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش. "البراغماتية القاسية" هو تعبير آخر استخدمه ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية في وصفه لكيفية تفاعل جو بايدن مع الشرق الأوسط حتى الآن.

بيد أن أحد التحديات المتأصلة في هذا النهج يتمثل في أنه يخاطر بوضع الولايات المتحدة في وضعية رد الفعل وإدارة الأزمات عندما تستمر العديد من التهديدات في الانتشار في الشرق الأوسط، وهي تهديدات يمكن أن تمتد بسهولة إلى المنافسة الجيوسياسية الأوسع مع روسيا والصين في أي لحظة. يبدو أن المواجهة مع روسيا بشأن أوكرانيا والتوترات مع الصين بشأن تايوان تأخذ حيزًا كبيرًا من تركيز الأمن القومي للولايات المتحدة مع بداية بايدن لعامه الثاني في المنصب. ومع ذلك، فمن المرجح أن يجذب الشرق الأوسط مزيدًا من الاهتمام مع مرور الأيام في العام الجديد وذلك لثلاثة أسباب رئيسية:

1. ما يحدث في المنطقة لا يبقى في المنطقة. يشهد الشرق الأوسط حاليًا مزيجًا معقدًا من التوترات المتصاعدة بين الدول الرئيسية في وقت تسعى فيه دول أخرى إلى إخماد النزاعات والتهديدات الإقليمية. في أي يوم من أيام الشرق الأوسط، هناك حوادث أمنية يمكن أن تتفجر بسهولة لتتحول إلى حريق واسع النطاق يؤثر على ويجذب القوى العالمية مثل الولايات المتحدة، لا سيما إذا ألحق حادث أمني الضرر بالقوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة. إن اندلاع أعمال العنف الأخيرة التي تورط فيها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وهجمات الحوثيين المتكررة على أبو ظبي خلال الأسبوع الماضي ليست سوى أحدث الأمثلة على ذلك.

حتى مع أفضل السيناريوهات المتعلقة بالمحادثات النووية مع إيران في فيينا، وهو الوصول إلى شكل من أشكال الاتفاق الذي يعالج بكيفية مناسبة المخاوف بشأن برنامج إيران النووي، فمن غير المرجح أن يفضي هذا إلى تخفيف أوسع للتوترات المدفوعة بحوادث أمنية إقليمية تتعلق بإيران وشبكتها من الشركاء والوكلاء وردود الفعل المضادة من البلدان الأخرى في المنطقة.

2. لهذه التحديات الأمنية الإقليمية صلات مع المشهد الجيوسياسي الأوسع الذي شكلته المنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والصين. لا يزال التحليل الجيوسياسي بتفكيره القديم، والعالق في عقلية مضى عليها عقد من الزمان، يعتقد أن التمحور حول مناطق أخرى من العالم أو إعادة التوازن لمواجهة التحديات التي يمثلها بلد معين أمر ممكن. هذا خطأ في قراءة الخريطة الجيوسياسية اليوم تمامًا مثل خطأ أولئك الذين يتبنون ببساطة مبدأ الانسحاب والعودة إلى الوطن للسماح للبلدان الأخرى بإعادة تشكيل الخريطة. إذ لا توجد بالفعل رغبة قوية في الانسحاب من العالم في أمريكا في الوقت الحالي، على الرغم من الضجة التي تشير إلى عكس ذلك. في الشرق الأوسط، عمدت كل من روسيا والصين بشكل مطرد إلى تعميق علاقاتهما ومشاركتهما مع الدول الرئيسية. أصبحت المنطقة ساحة مهمة للمنافسة الجيوسياسية على عدة جبهات، بما في ذلك العمليات العسكرية التقليدية، كما رأينا في الجولة الأخيرة من التدريبات البحرية بين إيران وروسيا والصين. تحتاج الولايات المتحدة إلى مراقبة هذه الروابط المتداخلة بعناية ومنع أي تصعيد داخل الشرق الأوسط من الانزلاق إلى أزمة أوسع. وهذا يتطلب نهجًا يستخدم الدبلوماسية المدعومة بإجراءات أمنية قوية بالتعاون مع الدول الشريكة في المنطقة للحد من التهديدات الإقليمية.

3. الفرص التي تتيحها منطقة تخوض في مرحلة التحول. هناك سبب ثالث يجعل من المرجح أن تظل الولايات المتحدة منخرطة وربما تفعل المزيد في الشرق الأوسط في السنة الثانية لبايدن في المنصب أكثر مما فعلت في الأولى. إذ توجد بارقة أمل في مشهد إقليمي قاتم، وهو الأمل في تعزيز روابط أكبر فيما يتعلق بالاقتصاد والطاقة والأمن المائي المشترك ومخاوف تغير المناخ في جميع أنحاء المنطقة. كما تمثل اتفاقيات التطبيع الأخيرة في المنطقة خطوة مهمة إلى الأمام، لكن هذه الصفقات لن تمتد إلى دول أخرى دون إحراز تقدم ملموس يشمل الفلسطينيين. إن إلقاء نظرة فاحصة على المنطقة يكشف عن فرص مهمة لمواجهة بعض تحديات الأمن البشري العديدة بطريقة تعاونية - وخير مثال على ذلك هو استمرار التحديات المزدوجة التي تمثلها الجائحة وتأثيرها الاقتصادي.

لكن لكي تُمسِك إدارة بايدن بزمام المبادرة على هذه الجبهة، سيتطلب الأمر مضاعفة الجهود لوضع الدبلوماسية أولاً في الشرق الأوسط وتعميق شبكة الشراكات الواسعة لأمريكا في جميع أنحاء المنطقة. ولكي تتجنب الولايات المتحدة أن يتم تجاوزها من قبل أجندات الجهات الفاعلة الأخرى في الشرق الأوسط، فإنها تحتاج إلى التفكير في نهج دبلوماسي أكثر استباقية وطموحًا يسعى إلى تبني سياسة أكثر استدامة وطويلة الأجل.

يمكنكم متابعة الكاتب على حسابه في تويتر: @Katulis


The Middle East Institute (MEI) is an independent, non-partisan, non-for-profit, educational organization. It does not engage in advocacy and its scholars’ opinions are their own. MEI welcomes financial donations, but retains sole editorial control over its work and its publications reflect only the authors’ views. For a listing of MEI donors, please click here.